لازالت ظاهرة التسول إحدى المشاكل المزمنة التي تحتاج إلى حلول جذرية خاصة في مكةالمكرمةوجدة نظرا لتكاثر المتسولين بهما. والذين أصبحوا يشكلون ما يشبه العصابات المنظمة التي تديرها أيدٍ متخصصة في هذا المجال حسب وصف مدير ادارة الوافدين بمنطقة مكةالمكرمة العقيد حسين الحارثي. وعلى الرغم من الحملات التفتيشية والقبض على اعداد كبيرة تقدر بالآلاف من مخالفي نظام الاقامة، وممن امتهنوا التسول في الشوارع الا ان القضية بحاجة الى اجراءات ميدانية تكبح جماح تفاقم الظاهرة حسب اقوال عدد من المواطنين. وتتخد ظاهرة التسول حسب المتابعين لها أوجها عدة، منها المباشر وغير المباشر، حيث أكد باحثو الظاهرة أن أشهرها هو استغلال الأطفال في البيع عبر البسطات والإشارات وفي الطرقات. وفي منطقة وسط جدة، وتحديدا موقع مجسم "القطار" المجاور لمؤسسة النقد العربي السعودي، يعج المكان بآلاف الاقدام من المتسوقين من مختلف الجنسيات، وتتعالى هناك اصوات البائعين عبر أكبر تجمع للبسطات النظامية التي فسحتها أمانة جدة، إلا أن تلك البسطات لا يحمل اصحابها من العمالة الاجنبية تصاريح لمزاولة مهنة البيع، وعند كل ركن من منطقة التسوق تمارس اعدادا كبيرة من الاطفال (أولاد وبنات) بيع الخردوات والاحذية والمستلزمات الجلدية، وهي الظاهرة التي اعتبرها البعض وجها آخر أو ساترا للتسول. بسطات عشوائية “المدينة” جالت في تلك المنطقة لرصد الظاهرة، والتعرف على أبطالها وعناصرها، فبعضهم استجاب لنا، والبعض الآخر لاذ بالفرار.. يقول الطفل محمد، وهو من الجنسية البرماوية: انه يمارس البيع منذ فترة طويلة، ويشرف عليه احد اقربائه الكبار، حيث يقوم بإيصاله كل يوم هو ومجموعة أخرى من الاطفال، وهو - اي الشخص الذي يدير عملهم - يقوم بشراء البضاعة المطلوب بيعها ويطلب منهم وضع شرشف كبير ووضع البضاعة عليه بعد ان يحدد لهم الموقع المناسب. ويقول الطفل الذي قال ان اسمه “آدم” ان والدته هي من طلبت منه ممارسة البيع في منطقة وسط البلد، مشيرا الى انه ترك الدراسة منذ الصف الاول ابتدائي وانخرط في هذه الممارسات من أجل مساعدة والدته في كسب العيش. أما مريم فلم تتجاوب معنا لصغر سنها، ولخوفها عندما اقتربنا منها بالكاميرا.. وهنا تداخل معنا احد المتسوقين من كبار السن، واسمه عاطف البشيري مشيرا الى ان مصير هؤلاء الاطفال معقود بتوجيهات كبارهم الذين يشغلونهم، مبينا ان هذه الممارسات التي يجبر عليها الاطفال "القصّر" مخالفة صريحة لكل التشريعات الدينية والاعراف الدولية ومنظمات حقوق الانسان. وقال ان التسول له عدة وجوه وهذه الممارسات ماهي الا قناع للتسول من المتسوقين بدليل ركض الاطفال خلف المتسوقين بعد ان ينصرفوا عن الشراء من بضائعهم التي وصفها ب "المضروبة". بضائع استوكات ومن خلال جولتنا بالسوق كان الملاحظ أن أغلب هؤلاء الأطفال من ابناء الجاليات البرماوية والتشادية والباكستانية، وبضائعهم التي يروجون لها في معظمها من الاستوكات التي تلفضها المستودعات والمحلات التجارية على مختلف مجالاتها التسويقية حسب قول المتسوق أحمد قاضي، مشيرا الى أن هناك العديد من الجولات التفتيشية التي يقوم بها فرع البلدية التابع ل"الامانة"، ووقتها تشاهد مختلف انواع الهروب والركض السريع لهؤلاء الاطفال الذين يتركون بضائعهم لموظفي البلدية، وفي اليوم التالي تشاهدهم في نفس مواقعهم وكأن شيئا لم يكن. تلك المشاهدات الميدانية لما يدور تطرح عددا من التساؤلات التي لا يمكن الاجابة عليها الا من خلال المؤسسات الحكومية والاهلية المعنية بدراسة تلك الظواهر ومكافحتها، وفيما يلي نحاول التعرف على دور تلك الجهات. -------------------------- حملات تفتيشية الدوريات الامنية وشعبة البحث والتحري التابعة لشرطة محافظة جدة قامت بالعديد من الحملات التفتيشية بعد ان جمع افرادها الميدانيين معلومات بحثية تشير الى العديد من المواقع التي يتجمع فيها ممارسو التسول عند الاشارات المرورية وامام المراكز التجارية والميادين العامة بجدة، وأوضح المتحدث الاعلامي المكلف بشرطة جدة الملازم أول نواف البوق ان الدوريات السرية متواجدة في جميع الأماكن لرصد أي مخالفة سواء كانت جنائية أو أخلاقية أو غير نظامية، وهناك فرق من القوة الميدانية بشرطة جدة وأيضاً فرق من البحث الجنائي تم توزيعها تراقب وتتصدي لأي ظاهرة أو جرم قد يقع. -------------------------- خطط ميدانية الملازم أول البوق قال ان الدراسات كشفت أن معظم من يتسول هم من مخالفي نظام الاقامة ومن غير المستحقين للزكاة، وهم بذلك يستخفون بعقول الناس ويأخذون ما ليس مستحق لهم، وأبان أنه تم عمل خطط ميدانية بشكل يومي على مدار الساعة لمراقبة الأماكن العامة والأسواق وأماكن كثافة المتسولين حسب ما هو مرصود في التقارير السرية وما يرد من بلاغات المواطنين وضبط كل من يشتغل بالتسول كمهنة، وأهاب بالمواطنين باتباع ماجاء في تصريحات وزارة الداخلية بعدم اعطاء الزكاوات والصدقات الا لمستحقيها عبر الجمعيات الخيرية الرسمية المعتمدة لضمان ايصالها للمستحق فعلا حسب مالديهم من دراسات واحصائيات وبيانات دقيقة. ومن جانبه يقول مدير ادارة الوافدين بمنطقة مكةالمكرمة العقيد حسين الحارثي ان هذه الظاهرة بحاجة ماسة الى تفهم اكثر من قبل المواطن والمقيم النظامي، مشيرا الى ان التعاون مع هذه الفئة من المخالفين لنظام الاقامة ممن امتهنوا التسول تساهم بشكل كبير في انتعاشها، لافتا الى ان عدم الاستجابة لممارساتهم غير القانونية يحد من توسع مساحتها، وأهاب العقيد الحارثي بالمواطنين بسرعة الابلاغ عن حالات التخلف في مختلف احياء جدة ، وابان ان ادارته قامت بالكشف عن عدد كبير من المخالفين ممن يمارسون التسول في الشوارع والميادين العامة وامام أبواب المساجد في الاحياء المختلفة. وقال انه تم تطبيق النظام والتحقيق معهم تمهيدا لتوقيع الجزاءات النظامية بحقهم. ------------------------- دار إيوائية رئيس جمعية البر بجدة المهندس مازن بترجي قال انه تم تدشين الدار الإيوائية الرابعة بمحافظة جدة والتي تتسع لأكثر من 200 شخص، مشيرا الى أن الجمعية لم تغفل الجانب الإنساني في إيواء الأطفال المتسولين حيث أن مركز إيواء الأطفال المتسولين قام بإيواء 788 متسولا ومتسولة التابع للجمعية خلال العام الماضي، وقدمت لهم الجمعية كافة الاحتياجات الإنسانية فيما يتعلق بالتغذية والكسوة والرعاية التربوية والصحية عن طريق الجمعية. وقام المركز بإعادة 712 طفلا وطفلة امتهنوا التسول في شوارع وطرقات محافظة جدة إلى بلدانهم وفقاً للأنظمة المتبعة لدى الجهات الأمنية المسؤولة وسفارات بلادهم.