صدر عن الهيئة العامة للسياحة والآثار، كتاباً للفنان التشكيلي: علي عبد الله مرزوق، عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد، بعنوان (فن زخرفة العمارة التقليدية بعسير، دراسة فنية وجمالية). هذا ويعد الكتاب من أولى الأبحاث التي تناولت التراث المعماري التقليدي في منطقة عسير، وما يرتبط به من قيم جمالية فنية؛ لذا فإنه سوف يساهم في تنمية التراث المعرفي للباحثين في المجالات الفنية، والمهتمين بإجراء الدراسات التي تبحث في التراث المعماري، والزخارف الحائطية الشعبية، وسوف يساهم كذلك في لفت الأنظار، وزيادة الاهتمام والمتابعة من قبل المهتمين للحفاظ على هذا الإرث المعماري، وصيانته بغية إحياء ما اندثر منه، والمحافظة على ما بقي، وبصفة عامة سوف يساهم الكتاب باعتباره دراسة ميدانية تطبيقية في إبراز وتحليل وإيضاح خصائص الفن الشعبي من الناحية العمرانية، والفنية التشكيلية بمنطقة الدراسة من خلال استخلاص، ودراسة الرسوم الزخرفية الشعبية المستخدمة في العمارة التقليدية بمنطقة عسير ودلالاتها. ولأن الكتاب قد اهتم بدراسة الزخارف الشعبية المرسومة، والمشكلة على حوائط عمارة عسير التقليدية فقد قام المؤلف بدراسة تاريخية للعمارة التقليدية بمنطقة عسير وما اقترن بها من عادات وتقاليد متوارثة، وتتبع الطرق المستخدمة في البناء والزخرفة قديماً، مع إبراز الخصائص البيئية والطبيعية للمنطقة، وانعكاس ذلك على تنوع أنماطها المعمارية . ولدراسة العمارة التقليدية من الناحية الفنية والجمالية، وما يتعلق بها من مكملات زخرفية شعبية نفعية وتجميلية، استخدم المؤلف المنهج الوصفي التحليلي والذي اعتمد وبشكل كبير على نتائج المسح الميداني نظراً لعدم وجود دراسات متخصصة في دراسة الزخارف الشعبية المكملة لعمارة عسير التقليدية. وتم أخذ هذا القطاع العرضي نتيجة لاختلاف الأنماط المعمارية في كل منها، وبالتالي اختلاف الزخارف الشعبية المكملة لها، فتهامة الساحلية تشتهر بمبانيها النباتية (العشش)، بينما تنتشر المباني الحجرية في الأصدار ومرتفعات السراة إلا أن منطقة السراة تمتاز عنها بوجود المباني الحجرية الطينية المزودة بالنطف الحجرية، أو ما يُعرف لدى أبناء المنطقة ب ( الرّقف )، أما الهضاب الداخلية فتنفرد بالنمط الطيني. وقد تم أخذ نماذج من هذه المباني التقليدية والعناصر الفنية والجمالية المكملة لها بصفتها عينة ممثلة لكل منطقة من المناطق الأربعة السابقة الذكر. وقد خلص المؤلف إلى عدد من النتائج التي أسفرت عنها الدراسة، منها: على الرغم من قلة الإمكانات المادية قديماً إلا أن عمارة عسير التقليدية بما تتضمنه من عناصر فنية وجمالية وفنيات بناء لهي خير شاهد على اهتمام أهالي المنطقة بالفن وحرصهم على تجميل وتزيين مبانيهم، ونتيجة لاختلاف القائمين على زخرفة داخل المسكن، وخارجه فأننا نلاحظ أن الزخارف الخارجية بسيطة ووحداتها الزخرفية قليلة، وتعتمد في تشكيلها على المواد التي تتطلب جهداً كبيراً في أعدادها وتشكيلها كالأحجار والطين والجص، بينما نلاحظ أن الزخارف الداخلية تتميز بالغنى والدقة في التنفيذ مع اعتمادها على المواد والخامات التي لا تتطلب جهداً كبيراً في إعدادها وتنفيذها. وقد لاحظ المؤلف مدى الانسجام والتوافق بين المسكن والزخارف المشكلة على الأسطح الخارجية للمسكن، والزخارف الداخلية سواء المرسومة على الحائط أو على المكملات الخشبية مما يؤكد لنا أن هناك عناصر مشتركة كانت تجمع البنائين بالنجارين والفنانات الشعبيات (القطاطات) أوجدت هذا الانسجام والتآلف بين الوحدات الزخرفية وهذا الحوار الجمالي الفني بين الشكل والمضمون. كما وجد المؤلف من خلال بحثه عن الزخارف الشعبية الجدارية في داخل المساكن، وعن المزخرفة نفسها أن هناك فنانات شعبيات استفدن كثيراً ممن سبقوهن في هذا المجال وأخذن عنهن هذا الفن الجميل، ، كما وجد المؤلف أثناء الزيارات الميدانية للعديد من المباني التقليدية أن هناك مباني تاريخية جميلة، وكذلك رسوم زخرفية رائعة الدقة والجمال لايُعرف أصحابها فلم يجد المؤلف أي أثر يدل على اسم من قام بإبداعها، ولعل السبب في ذلك يعود إلى عدم اهتمامهم بترك أسمائهم وإنكار ذاتهم في سبيل خدمة مجتمعهم، ومع ذلك فأغلب المساكن والنقوش يُعرف أسماء مبدعيها عن طريق أفراد القبيلة الذين عاصروهم، واستطاع أن يتعرف على العديد من الوحدات الزخرفية المختلفة من خلال البحث الميداني الذي أجراه على مباني المنطقة وحصرها في الآتي: وحدات زخرفية هندسية مختلفة الأشكال، ووحدات زخرفية نباتية، ووحدات زخرفية مختلفة الأشكال، ووحدات زخرفية كتابية (تعتمد على الخط العربي)، ووحدات زخرفية استحضارية، ووحدات زخرفية مركبة، ونتيجة لاختلاف التضاريس في منطقة عسير وانغلاق كل منطقة على نفسها (قديماً) فقد لاحظ المؤلف تعدد الأنماط الزخرفية فتم تقسيمها إلى أربعة أساليب (أنماط) زخرفية هي: الزخارف الشعبية في تهامة الساحلية، والزخارف الشعبية في الأصدار، والزخارف الشعبية في مرتفعات السراة، والزخارف الشعبية في الهضاب الداخلية. ومع أن هناك عناصر زخرفية مشتركة إلا أنه يمكن ملاحظة أن لكل منطقة من هذه المناطق طابعها الخاص وأسلوبها الذي يميزها عن غيرها، كما أن معظم الوحدات الزخرفية بسيطة التكوين حيث شُكلت عن طريق التقاء المحاور الأفقية والرأسية والقطرية مع إضافات داخلية. أما أهم التوصيات فتمثلت في الآتي: تشجيع المتخصصين والباحثين بإجراء الدراسات والبحوث التي تهتم بالتراث المعماري والزخرفي عن طريق دعمهم مادياً ومعنوياً ومن ثم الإفادة من نتائج هذه الدراسات في تفعيل البرامج والخطط التي من شأنها توثيق وتسجيل التراث المعماري وتأصيله وبالتالي المحافظة على ما نمتلكه من أنماط معمارية تقليدية وما يتعلق بها من قيم فنية وجمالية، وأهمية أن تقوم الجهات المسؤولة بصيانة وترميم المباني التقليدية في المنطقة ذات القيمة التاريخية والأثرية لإحياء ما اندثر منها والإبقاء على المباني التقليدية المتجمعة لتبقى معلماً تاريخياً كمتاحف مفتوحة يأتيها السواح والمهتمين بجمع التراث ودراسته، كما أوصى المؤلف بضرورة توثيق أسماء المشتغلين بالبناء والزخرفة وإجراء المقابلات مع من بقي منهم على قيد الحياة؛ لمعرفة كيفيات وفنيات البناء والزخرفة، وسرعة المبادرة إلى إيجاد مجلة متخصصة تُعني بمختلف مجالات الفنون الشعبية لإعادة النبض لهذه الفنون التي شارفت على الاندثار والتلاشي، هذه الخطوة من شأنها شحذهم الباحثين والمهتمين بجمع التراث الغني الشعبي للمشاركة في توثيق هذه الفنون والكشف عن أسرارها وخفاياها مما يساعد على إيصالها لعامة الناس فيقبلون عليها ويتذوقونها ويستمتعون بها، وتطوير الإرث المعماري عن طريق حث المواطنين والشركات والمؤسسات الهندسية على استخلاص القيم الفنية والجمالية لهذه العمارة وتوظيفها التوظيف الأمثل في العمارة المعاصرة، والمبادرة إلى إنشاء معهد أو مركز يُعنى بجمع ودراسة كافة فنوننا الشعبية لتأصيلها والاعتراف بأهمية دراستها أكاديمياً.