نشرت هذه الصحيفة الغرَّاء وسواها من الصحف المحلية تباعاً أخباراً عمّا سمته الصحف: «مسلسل محاولات تهريب لحوم الأضاحي واللحوم الفاسدة وغير الصالحة للاستهلاك الآدمي إلى محافظة جدة». وهو مسلسل رعب ولاشك، خصوصاً الحلقة التي جاء فيها أنه في الثاني عشر من ذي الحجة أي في ثاني أيام التشريق أُحبطت عملية تهريب حوالى سبعين طناً من لحوم الأضاحي كانت في طريقها إلى جدة لبيعها وتوزيعها على المحلات والمطاعم، وذكر طبيب بيطري بأمانة محافظة جدة أن هذه اللحوم تباع بأثمان بخسة جداً، إذ يتراوح سعر الذبيحة ما بين خمسين ريالاً ومائة ريال، ليعاد بيعها بأضعاف ذلك إلى المطاعم ومحلات اللحوم بجدة، وكما ذكرتُ، تلك حلقة من مسلسل طويل شاهدناه على الصحف خلال أيام الحج كلها، حتى أننا – أعني سكان جدة – بتنا نعاف اللحم ونخاف أكله حتى لو طهوناه بأيدينا. وهذه الحال من «الهلع» و»القرف» و»التقزز» لم تصبنا لهذا العام فقط، بل أصبحت حالاً مزمنة تصيبنا كل عام بُعيد موسم الحج مع الأسف الشديد دون أن توجد لها حلول صارمة وقاطعة. وبوصفي مكيًّا ومن أسرة عُريف، فأنا أعايش هذه المشكلة منذ أربعين عاماً أو يزيد، وقد عملت وأنا شاب يافع في مراقبة ذبح الأغنام خارج المسلخ بتكليف شخصي من عميد أسرتنا الشيخ عبدالله عُريف أمين العاصمة آنذاك يرحمه الله تعالى، وأذكر أنه في ذلك العهد المتقدم كان يتم ضبط معظم حالات الذبح غير النظامية والتعامل معها بإحكام رغم ضعف الإمكانيات ومحدوديتها، مع ملاحظة تضاعف أعداد الحجاج حالياً بالطبع واتساع الرقعة الجغرافية التي يمكن أن يذبحوا فيها، ولكن ذلك لا يعفي الجهات المختصة من مسؤولية الرقابة الشديدة على مثل تلك الممارسات الإجرامية إن جاز التعبير. فبيع اللحوم الفاسدة بهذه الكميات الهائلة قد يؤدي إلى تفشي أمراض تصيب سكان المحافظة بأكملها وإلى هلع لا يعلم مداه إلا الله تعالى، وآثار تلك الجرائم ليست صحية واجتماعية فحسب، بل هي اقتصادية أيضاً، إذ قد يُعرِضُ الناس عن شراء اللحوم بأنواعها، بما في ذلك اللحوم الصالحة وهو ما يحصل فعلاً كل عام ويستمر لعدة شهور، ويؤدي ذلك إلى كساد السلع وخسارة أصحابها في المطاعم المحترمة والبقالات الكبيرة. وقد يؤدي ذلك أيضاً إلى ارتفاع أسعار الماشية الحية التي يقبل عليها المستهلك خوفاً من اللحم الجاهز الذي لا يعرف مصدره، وفي كلتا الحالتين خسارة مادية على التاجر والمستهلك في آن معاً. أقول وبالله التوفيق: إنه إن أحبطت عملية تهريب واحدة لسبعين طناً من اللحوم الفاسدة، فقد تكون عمليات أخرى كثيرة نجحت ووصلت عشرات الأطنان أو مئاتها إلى أسواق جدة، وبالطبع من قبل ذلك إلى أسواق مكة وهي الأقرب والأسهل، وامتلأت ثلاجات المطاعم والبقالات بالأمراض والجراثيم التي تباع للمواطنين والمقيمين على شكل لحوم نيئة أو أطعمة ووجبات، وما أسهل تصريف هذه الكميات في الأسواق التي أصبح فيها عدد المطاعم أكثر من عدد البيوت، ويخيل إليّ أن هذه الأطنان من اللحوم لو وزعت على مطاعم (الشاورما) فقط التي تنتشر بالآلاف في جدةومكة لاستوعبتها منفردة، أو مطاعم (الأرز البخاري)، التي تبيع وجبات زهيدة الأثمان لخلق الله، وقد يتساءل المستهلك في بعض الأحيان: هل يمكن لهذه المطاعم أن تحقق أي ربح؟ والحق أن أرباحها خيالية. المطلوب من كل الجهات المختصة بما فيها الأمانة والبلديات الفرعية والدوريات الأمنية وسواها ليس فقط تشديد الرقابة على هذه الشحنات من مكة إلى جدة، بل تشديد الرقابة خلال هذه الأيام خصوصاً على المطاعم والملاحم ومحلات السوبر ماركت، والتفتيش بدقة في اللحوم التي تسوقها للناس. والتأكد من أنها ليست من لحوم الأضاحي ليس أمراً صعباً، حفاظاً على صحة البشر التي عانت ومازالت تعاني من ضعف النفوس وغياب وازع الدين ووازع الضمير. وهذا الواقع المر يستلزم تشديد الرقابة على المطاعم والمتاجر طوال العام، فنحن لا نعلم حقاً ما يباع لنا فيها خصوصاً اللحوم. ولا يقتصر ذلك على لحوم الماشية فحسب، بل يدخل فيه لحوم الدواجن في هذه المطاعم الشعبية التي نشتري منها جميعاً الأرز والدجاج على مدار العام بأسعار متدنية دون أن نعلم نوعية هذا الدجاج ومصدره وجودته، لقد بلغ السيل الزبى وآن الأوان لوضع خطط صحية وطنية شاملة ترفع عن المستهلك هذه المعاناة وترد له صحته.