لم يمض فترة طويلة على قضية الخادمة السيريلانكية التي قيل أنه عُثر في جسدها على 23 مسمارًا، اتهمت كفيلها السعودي بدقها في جسدها، وهي القضية التي أثارت ضدنا لجانًا حقوقية انتقدت معاملة السعوديين للخدم والعاملين في المملكة، وها نحن نواجه مجددًا قضية خادمة اندونيسية تعمل لدى أسرة سعودية بالمدينةالمنورة، تتهم كفيلها وزوجته بتعذيبها. وقامت وسائل الإعلام الإندونيسية بنشر صور للخادمة قالت: إنها آثار التعذيب الذي تعرضت له. وقد أدت هذه القضية، إضافة إلى ما ذكرته وسائل الإعلام الإندونيسية عن وفاة خادمة أخرى في مدينة أبها نتيجة الاعتداء الجسدي عليها، وجدها عدد من الأشخاص في سلة مهملات، أدت إلى مطالبة الرئيس الإندونيسي بفتح ملف خاص لمتابعة العمالة الإندونيسية العاملة في الخارج وإعادة النظر في جميع الاتفاقيات مع الدول التي تطلب العمالة المنزلية من إندونيسيا. إن استمرار هذه الممارسات القميئة من البعض لا يخصهم وحدهم، بل ينالنا جميعًا ويسئ ليس فقط إلى سمعة هؤلاء، بل ويمس سمعة الوطن قاطبة. ورغم ما تلقيته من رد فعل سلبي من بعض القراء لتطرقي لقضية الخادمة السيريلانكية عند وقوعه، أو القول بأن ما يقوم به هؤلاء الخدم من جرائم وتجاوزات يفوق ما يرتكبه السعوديون ضدهم، كل هذا يجب ألا يكون مبررًا للتجاوز ضد العمالة الوافدة أو إساءة معاملتهم. فكما أن جريرة بعض السعوديين في التعامل مع العمالة الأجنبية يجب ألا تمتد لتطال كافة المواطنين السعوديين، فإن جرائم وتجاوزات بعض هؤلاء ضد بعض السعوديين يجب ألا تُشكل إدانة لكل العمالة الأجنبية العاملة في البلاد. ورغم ذلك فأنا أتفق مع الزميل الأستاذ داود الشريان في ضرورة فتح ملفات العمالة على ألا تكون في اتجاه واحد وهو إدانة هؤلاء بأن «نفتح ملف هروبهم، وجرائمهم، وتعنت سفارات دولهم وشروطها التي لا تتوقف. علينا أن نسأل، وسط هذا الضجيج المفتعل، عن ضياع حقوق المواطن السعودي» . بل وأن نفتح بالمقابل كل ما يتعلق بحقوق العمالة الأجنبية لدى المواطنين السعوديين والتي يغمطها بعضنا، والتعامل غير الإنساني الذي تلاقيه بعض العمالة عند بعضنا ممن لا يراعي فيهم حق الله وحق الإنسانية، ولا يتوخى طيب التعامل ولا الضمير في إيفائهم حقوقهم المالية والإنسانية. وهناك في ملفات جمعيتي حقوق الإنسان ما يشيب له رؤوس الولدان. كما يقول القارئ مناف هاشم في تعليقه على مقال الزميل الشريان. إن من حقنا بالطبع أن نشترط في العمالة التي نستوردها كافة الاشتراطات التي تجعل من عملهم في بيوتنا وأماكن العمل الأخرى مناسبًا لاحتياجاتنا. لكن من حق دول العمالة هي الأخرى أن تضمن حقوق مواطنيها وتطالب لهم بالسقف الأعلى من الأجر وحسن التعامل حتى ولو ضقنا نحن بهذه المطالب ووصفناها بالتعنت أو اتهمنا أصحابها بالغطرسة والغرور . فدفاع دول العمالة عن مواطنيها هو أمر طبيعي، بل هو من أهم مسؤوليات الدول التي تحترم نفسها ومواطنيها. علمًا أن انتقادات الصحافة والجهات الحقوقية لم تقتصر على المملكة وحدها، بل وطالت إندونيسيا نفسها التي اتهمتها صحيفة «ديلي ميل» البريطانية في إشارتها لقضية سوماياتي «خادمة المدينة» بأن القضية التي تم اكتشافها هي «قمة جبل الجليد»، التي تخفي معاناة ملايين الخادمات في بيوت الشرق الأوسط؛ حيث يخشى العديد من المراقبين ألا تكون سوماياتي الوحيدة التي تعاني التعذيب. وألقت الصحيفة باللوم على الحكومة الإندونيسية التي رفضت التوقيع على معاهدات حماية العمالة بالخارج رغم أنها تجني من ورائهم نحو 7.5 مليار دولار. والمطلوب في كل الأحوال هو تحقيق العدالة بين كافة أطراف مواطني دول العمالة والدول المستوردة لها. واعتقد أن فتح الكُتاب لملفات هذه القضية وتناولها سواء سلبًا أو إيجابًا هو أمر صحي يدل على بداية اليقظة للتعامل مع مثل هذه القضايا التي أصبحت تقترب من أن تكون ظاهرة تُرخي بظلالها على مجتمعنا. [email protected]