اتجه أخي الأكبر صبيحة اليوم السابع من ذي الحجة صوب المشاعر المقدسة مستقلاً سيارته الخاصة إلى حيث ينتهي الضوء الأخضر بالعبور قاصدًا أداء فريضة الحج وبرفقته أمي وعدد من الأقارب والأهل يستقلون سيارة أخرى بعد أن عجزت سيارة واحدة عن حملهم. إنهم ينطلقون في أفضل وأعظم رحلة في العمر، رحلة إيمانية وروحانية يتزودون فيها بالتقوى، وفيها تبتهل القلوب إلى الله ترجو القبول والعفو والمغفرة، وتكتحل فيها الأنظار برؤية الكعبة والمسجد الحرام والمشاعر المقدسة.. وبالطبع ووفقًا لأنظمة الدولة وطاعة لأولي الأمر فقد كان دخولهم للمشاعر بتصريح رسمي للحج الذي يتطلب الحجز والاشتراك في إحدى حملات حجاج الداخل الأمر الذي فرضته الدولة وأقرته رغبة في الانضباط ولإعداد الخطط المناسبة من أجل توفير الخدمات اللازمة بشكل شامل وكامل أو على الأقل مُرضٍ وللحد من الفوضى ومنع مظاهر التخلّف. كانت دعوة حكومية موفقة وصادقة للانضباط شابها ما شابها من شوائب.. وقف المواطن في البدء ساخطًا على مثل هكذا قرار، لكنه أيقن في نهاية المطاف أن ذلك لم يكن إلاّ لأجله وبقية حجاج بيت الله الحرام. وقد مثلت الرسوم والتكاليف المالية التي تفرضها شركات حملات حجاج الداخل حجر الزاوية في هكذا سخط. ثمة منغصات تطفو على السطح لتظهر على الملأ بكل قوة، ولتستقر في الأفق دون حياء تجعلنا نتساءل: أهو قصور، أم جهل، أم عدم اكتراث، أم غياب للأنظمة والرقابة في ظل موت الضمير وانتحار الذمة. في ظهيرة يوم التروية أنهيت مكالمة مع أمي وأخي أبديا لي فيها تذمرهما ومن معهما من الحملة التي حجزوا عليها؛ لقد صدمتهم مخيمات الحج المخصصة لهم بسوءات كثر، وليس المجال هنا لحصرها، ولكن سأذكر منها على سبيل المثال دورات مياه بلا ماء، وعصائر ساخنة!! ما جعلني أتوجه لاستشارة العم قوووقل الذي كشف تاريخًا أسود للحملة آنفة الذكر. كان متوسط تكاليف الحج للشخص الواحد قبل إقرار حملات الحج يتراوح ما بين خمسمائة إلى ألف ريال، وهو مبلغ معقول ومقدور عليه.. أما اليوم فإن هذه التكلفة التي كانت تمثل تكلفة الحج كاملاً في السابق باتت تمثل تكلفة يوم أو نصف يوم، فمعدل الإنفاق اليومي للحاج الواحد يقارب الألف ريال يوميًّا مضروبًا في متوسط عدد أيام الحج وهي خمسة أيام ليكون الإجمالي خمسة آلاف ريال، وهو يمثل تكلفة باهظة يعجز البعض عن تأمينها. يريد الإنسان أن يرى المقابل الحسن لما يدفعه من مال، وليس أن يُغتصب ماله أو يُسرق منه. إن ما يحدث وبلا شك هو متاجرة باسم الدين واستغلال للنسك واستهتار بالنفس الحرام في الأرض الحرام في الشهر الحرام. نريد انضباطًا وحضورًا قويًّا لمبدأ الحساب والعقاب فمن أمن العقوبة أساء الأدب. غرموا الشركات التي لا تفي بوعودها وتنكث بعهودها.. ردوا أموال الحجاج الذين خُدعوا بشركات شعارها الخفي يقولون ما لا يفعلون ويدعون ما لا يصنعون.. اشطبوا هذه الشركات من قائمة الشركات المصرح لهم بتنظيم حملات الحج ألغوا تصاريحهم أحموا وارعوا ضيوف الرحمن حق الرعاية. محسن موسى طوهري - جازان