الفكر الضعيف الذي لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، هو فكر لا يستحق أن يبقى، وليس جديرًا بالبكاء عليه، إذا ما أعلنت وفاته رسميًّا. الفكر الذي يخاف من مقالة، ويخشى على نفسه من مجرد رأي مضاد، ويفشل في الإقناع بالحجة بعيدًا عن الترهيب واتّهام الآخرين في دينهم، هو فكر هش، ومريض، ويحمل في أحشائه أسباب فنائه. حسب السنن الإلهية فإن ما ينفع الناس لا يمكن أن يموت، على عكس ما لا ينفعهم. يقول الله تعالى: (فأمّا الزبد فيذهب جفاء وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال) الرعد. إذا كان هذا هو القانون الإلهي الذي نؤمن بأن الأمور تسير بموجبه، فلماذا ترتعد فرائص مَن يعتقدون بأنهم يسيرون على الصراط المستقيم، إذا قام أحد ما باستخدام حقه الطبيعي في معارضتهم؟! الفكر الخائف والمتقوقع على نفسه، وغير القادر على إيجاد أرضية للحوار مع المختلفين، ولا أقول المخالفين، هو فكر أعرج، لا يستطيع أن يستمر إلاّ في ظل حماية العصا التي يلوح بها في وجه الآخرين. وفكر كهذا لا يستحق أن يبقى؛ لأنه يستمد أسباب بقائه من أدوات عنفيّة كالقمع والقهر، ولا يستمدها من أسباب ذاتية تتمثل أول ما تتمثل في احترام العقل والإرادة الإنسانية الحرة. الفكر الذي لا يخاطب عقل الإنسان، ولا يحترم إرادته، ويتجه بدلاً من ذلك لتوظيف واستثارة غريزة الخوف لديه، هو فكر محكوم عليه بالفناء. فالوعي هو عدو الخوف، والوعي مرحلة من مراحل التطور والنمو الإنساني.. أي أنه جزء من حركة التاريخ نفسه. والفكر الذي لا يحترم حركة التاريخ، ولا يعرف عنها شيئًا، لا يمكنه أن يصمد أمام عوامل التعرية التاريخية والفكرية. الفكر الذي لا يستطيع أن يتلاقح معرفيًّا مع مختلف التيارات الفكرية الأخرى، هو فكر مشوه ومشلول. ولأنه كذلك فإنه لا يستطيع أن يواصل مراحل نموه الطبيعية، ولا يمكنه تطوير ذاته أو تعديلها. وفكر كهذا لا يمكن أن يستمر في الحياة من خلال ظروف طبيعية، أو بيئة تسمح بتفاعل الأفكار بشكل سلمي. الفكر الذي يتولد من عقلية متوجسة لا يمكن أن يعيش طويلاً، لأن العقل بطبيعته هو العدو الأول للخوف.