يمثل "الثوب" الزى الشعبي والرسمي في السعودية، كان في الماضي القريب نسبيا تقليديا وبسيطا، غالبا ما يكون لونه أبيض وبدون ياقة، وخلال السنوات القليلة الماضية ظهر الثوب السعودي للمتابعين بصورة وهيئة جديدة، إذ أصبح موشى بالتطريزات، وأفسح اللون الأبيض مكانه لكل ألوان الطيف، حول هذه الظاهرة ولمعرفة التغييرات الحاصلة في شكل ولون الثوب السعودي واتجاهات السعوديين في تفصيله كان هذا التحقيق: تقليد: في البداية لم يخف أحمد حكيم (طالب جامعي-22 عاما) استيائه من التصميمات والألوان الجديدة للثوب السعودي ، لأنها بحسب رأيه تعكس تقليد الشباب الأعمي للغرب وقال : "لقد أخبرنا الرسول(ص) عن أسباب هذه الظاهرة ومثيلاتها بقوله :(لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)" ويتفق معه محمد البلوشي (40 عاما) في ذلك مفسرا وشارحا سبب تقليد الشباب للغرب ويقول :"هؤلاء الشباب يشعرون بالاغتراب عن هويتهم الوطنية ولايعرفون قيمتها وعظمتها "، ولهذا هم ينشغلون بأشياء غير مهمة ويتركون الأهم (على حد رأيه) . تمسك بالزي الوطني: ورغم موافقة أشرف فقيه (بائع ")على أن الشباب يقلد الأزياء الغربية الحديثة من خلال إدخاله تعديلات على الثوب التقليدي، إلا أن نظرته للأمر تبدو مختلفة، فهو يرى أن الاتجاه نحو تطوير الثوب يدل على تمسك الشباب بارتداء الزي الوطني، ويؤكد ذلك قائلاً :"واضح للجميع أن الشباب يحبون ارتداء الملابس الغربية (تي شيرت وبنطلون) ويتبعون أحدث الموضات العالمية، ويستعينون بالتصاميم الغربية للأزياء ويسقطونها على الثوب" حب التجديد : وإذا كان البعض يرى تقليد الغرب هو الدافع الحقيقي للتغييرات الطارئة على شكل ونوعية قماش الثوب السعودي، فإن عمرو"بائع" (33 عاما) يعزو الأمر فقط لحب التجديد الذي يميز الشباب"دائما وما يجعله يبحث عن الجديد والمبتكر في مثل هذه السن المبكرة من العمر "، وهي الفكرة التي يؤكد عليها حاتم فتيني (تسويق-48 عاما) اذ يشير في هذا الصدد الى أن حب التجديد ليس وليد هذا الزمان:"منذ أكثر من (50) عاما والثوب المكاوي متميز بأزراره التي تتخذ شكل كتلة بلون مختلف عن لون الثوب، إضافة إلى فتحتين بأسفله في كل جهة" ويتفق معهما حسين علي ( 30 عاما ) في الرأي مضيفاً أن لفت النظر والتميز عن الآخرين له دور كبير في اتجاه التجديد الواضح حاليا لدى الشباب صغير السن. حرية شخصية: بينما ينظر عامر عبدالجواد (طالب جامعي -22عاما) للتغيير في شكل ومكونات الثوب السعودي من زاوية أنه يتناسب مع التطور الزمني الذي يطال كل شئ، ويضيف :"قبل عشرين سنة لم يكن هناك جوالات، والآن كل منا يمتلك واحدا على الأقل، فلماذا نستثني الثوب من التطور؟" اختلاف وجهات النظر في أسباب التجديدات الحاصلة على الثوب التقليدي، لم يقابلها باهتمام إسلام سامي( 22 عاما) والموظف في أحد الفنادق حيث يؤكد أن الموضوع أبسط من ذلك ويعد كل شيء الى أن كل إنسان حر فيما يرتدي، ويؤكد على أن المسألة تنطوي تحت مبدأ الحرية شخصية". رأي الجنس الآخر: أما نصف المجتمع الآخر من الشابات والسيدات فتنوعت آرائهن أيضا حول الموضوع حيث تقول خديجة باجنيد "طالبة" (21عاما) مامن شك أن احد أسباب التجديد الحاصلة في الثوب السعودي تعود إلى الرغبة في التميز والإختلاف عن الآخر وتتفق معها الطالبة بالجامعة المفتوحة وجد نحاس ( 21 عاما ) وتضيف:" التصاميم الغريبة تحتاج لجرأة، وبعض الشباب يعبرون عن جرأتهم بهذه الطريقة". لكل مناسبة ثوب: كما تؤكد نحاس إعجابها بالتصاميم الجديدة شرط ألا تتخطى الحدود وتصبح مدعاة للنقد السلبي:" إذا كانت غرابة الثوب ستؤدي إلى التقليل من قيمة مرتديه في نظر المجتمع، فأنا ضد هذا الأمر" وترى أن لكل مقام ومناسبة الثوب المناسب ، وتعطى مثالا لذلك بالقول:" لا يصح ارتداء ثوب ملون في الفرح". وفي ذات السياق قالت رابية نصير (31 عاما) "معلمة صفوف أولية" أرى أن السبب في التجديد يعود إلى الرغبة في التغيير، لأن اللون الأبيض السادة "يسبب الإكتئاب"( على حد قولها). كما تبدي اعجابها بالتصاميم الجديدة وتشير الى أن الألوان والموديلات الجديدة جميلة لكنها لا تحبذها لمن هو فوق الأربعين" القيود العائلية: وتربط نجلاء نوح (معلمة لغة عربية) بين القيود العائلية التي يفرضها المجتمع السعودي الذي يتسم بالمحافظة الشديدة وبين التمرد على الثوب التقليدي لدى الشباب وتضيف :" أتقبل التغيير الواقع في الثوب لكنني لا أحبذ المبالغة في التطريز والألوان، وتؤكد من وجهة نظرها أن الألوان الفاتحة ذات التطريز الخفيف جميلة ، وفي نفس الوقت تبدي استيائها لما تراه في المؤتمرات الخارجية من ثياب ملونة ومطرزة يحضر بها أعضاء الوفود السعودية الى هذه المحافل وتقول :" هذه الثياب لا تمثل روح الهوية السعودية الحقيقية" على حد زعمها. ثلاثة عوامل: من جانبه أرجع مستشار التنمية البشرية حاتم سفرجي الابتعاد عن الثوب التقليدي والاتجاه إلي التجديد الى ثلاثة عوامل لخصها في حب التجديد ومجاراة الموضة لدى الشباب، وانفتاح المجتمع على الآخر بسبب تطور وسائل الاتصال والمواصلات، وأخيرا حاجة الشباب النفسية للاختلاف والتميز عن الآخرين. إذا كان هناك أكثر من سبب للإقبال على التجديد في الثوب التقليدي، إلا أن الغالبية اتفقت على أن الفئة العمرية التي تقود التغيير هي فئة الشباب وصغار السن، فعمرو ، وأحمد الأمين (بائعان ) يحددان السن لمحبي الابتكار والتقليعات الجديدة من 15 إلى 35، لكن هذا لا يمنع من وجود قلة من كبار السن تشارك الأصغر سنا في الرغبة بالتجديد، يقول عمرو : "الكبار يجربون التجديد في تصاميم ثيابهم لكن بحدود ودون مبالغة"، وهو ما يؤيده محمد الحربي (خدمة العملاء-) التجديد كبار السن: والابتكار يقل كلما تقدم الإنسان في العمر بصفة عامة"، أما "فتيني" فيرى نفسه مثال على تغير الذوق لدى كبار السن، ويقول:"حينما كنت صغيرا كان الوالد يشتري لي (6) ثياب كلها متشابهة وبيضاء"، ويضيف:"الآن أنا أنوع في اختيار الأقمشة والألوان والتطريز لكن في حدود المعقول". وإن كان الثوب "العصري" فرض وجوده في حياة الكثير من الشباب اليومية، فالأمر مختلف مع المناسبات المتنوعة، يقول فقيه ":"مازال العرسان يفضلون الثوب التقليدي(السادة)، وإن حدث وطلب مني أحدهم تغييرا، فذلك يقتصر على تطريز خفيف" الثوب في المناطق: أما بالنسبة للحضور إلى الأفراح، يقول الأمين ":"يتزايد الإقبال بين الشباب لحضور المناسبات بالثياب ذات التصاميم الحديثة رغبة في التميز على أقرانهم" ويبدو أن الجغرافيا والطقس يلعبان دورا في اختيار نوعية القماش للثوب، يقول فقيه :"يفضل أهالي المنطقة الوسطى قماش (التترون) و(السلت) وهو مناسب لحالة الجو هناك، أما أهالي المنطقة الغربية فيفضلون القطن لأنه يمتص الرطوبة التي يتميز بها الطقس هناك"، وهو مايتفق معه الأمين ويضيف:"الشباب في المنطقة الوسطى لا يحبون القطن لأنه (يتكرمش)"، وبجانب الطقس تلعب التصاميم والألوان الجديدة دورا في تواجد أقمشة لم يعرفها السوق السعودي مسبقا، كقماش الإستريتش (القابل للمط) الذي يعرض في العديد من محلات تفصيل الثياب. الأسعار: وتتسم الثياب ذات التصميم الحديث بسعر يفوق مثيلها الثوب التقليدي، يقول عمرو (أصول):"كلما زاد التطريز في الثوب ارتفع سعره أكثر"، وتختلف الأسعار أيضا بحسب المحل، هناك من يقوم بتفصيل ثوب ابتداءا من (150) ريال، والبعض أقل سعر لديه لتفصيل الثوب هو (600) ريال. وأخيرا وكما يقول المثل: "الناس فيما يعشقون مذاهب"، لكن ذلك لايمنع أنه سواءا أكان الثوب تقليديا أو عصريا، ملونا أو أبيضا فإنه حاضر بقوة في خزانة ملابس كل سعودي ولا يغيب عن مختلف المناسبات، مثبتا صموده أمام الأزياء الغربية بالرغم من كل الانفتاح الذي تسببت به العولمة في الزمن الحاضر.