تقع الميزانية الأوروبية للعام 2011 في صلب جدل محتدم مستمر منذ أسابيع يهدد في حال لم تتوصل الحكومات والبرلمان الأوروبي إلى اتفاق بفرض نظام تقشف شديد على أوروبا تضطر معه إلى إدارة نفقاتها بشكل شهري. وتطالب الحكومات بتحديد سقف للنفقات لا يتجاوز نسبة 2,91% في وقت يترتب عليها جميعها الحد من نفقاتها في الداخل، فيما يطالب البرلمان من جهته بزيادة أكبر، تؤمّن لأوروبا الوسائل الكفيلة بتحقيق طموحاتها. وبدأ وزراء المالية والميزانية في دول الاتحاد اجتماعا قبل ظهر أمس في بروكسل، قبل محاولة أخيرة للتوافق مع البرلمان، ويهدد الوضع جديا بعرقلة عمل الاتحاد الأوروبي في ظل تمسك كل من الطرفين بموقفه في وضع وصفه مصدر أوروبي ب“اختبار قوة” سياسي. وأوضح مصدر آخر “دخلنا لعبة سلطة”. فميزانية 2011 هي أول ميزانية يتم التفاوض بشأنها في إطار معاهدة لشبونة التي تمنح البرلمان الأوروبي سلطة القرار ذاتها التي تتمتع بها الدول في ما يتعلق بالنفقات. وجعل رئيس الوزراء البريطاني المحافظ ديفيد كاميرون من تحديد سقف ميزانية الاتحاد الأوروبي معركة شخصية بالنسبة له، بعدما أعلن مؤخرًا عن اقتطاعات كبيرة في النفقات العامة البريطانية. وهو يطالب بتحديد سقف لزيادة النفقات الأوروبية للعام المقبل بنسبة 2,91% ما يوازي زيادة بمقدار 3,5 مليار يورو عن ميزانية 2010 البالغة 123 مليار يورو، وقد أيدت 12 دولة أخرى هذا الموقف وفي طليعتها فرنسا والمانيا. ويتهم النواب الأوروبيون الدول بالنفاق، وهم يطالبون بزيادة بنسبة 6,19% أي بمقدار 7,5 مليار يورو. وحذرت النائبة الأوروبية البولندية سيدونيا يدريجيفسكا مقررة ميزانية 2011 في البرلمان الأوروبي من أن أي زيادة في النفقات دون الحد المطلوب سترغم لاحقا على إقرار ميزانيات تصحيحية لاستكمال تمويل مشاريع تم إقرارها حتى الآن، مثل مفاعل “ايتر” التجريبي للاندماج النووي التي يتمسك به البريطانيون. ويبذل الجميع كل الجهود الممكنة للتوصل إلى تسوية لاسيما وأن فشل المصالحة ستترتب عنه عواقب وخيمة. وفي مثل هذه الحالة يتم تفعيل آلية خاصة تعرف ب“الجزء الثاني عشر الموقت”، تقضي عمليًا بتجميد قيمة ميزانية كل شهر من العام 2011 بمستوى الجزء الثاني عشر من ميزانية 2010. والميزانية التي ستخصصها هذه الآلية لوزيرة الخارجية الأوروبية كاثرين آشتون اعتبارا من الأول من يناير 2011 لن تزيد عن مليون يورو في الشهر من أجل تمويل عمل جهاز السياسة الخارجية الأوروبية الذي تم استحداثه. وقال دبلوماسي: “سيكون الأمر كارثيا، لأن الإشارة التي ستوجه إلى باقي العالم هي أن أوروبا لا ميزانية في تصرفها”. وتغذي هذه المعركة حجج المشككين في جدوى البناء الأوروبي الذين يغتنمون كل الفرص للتنديد مسبقا بهدر الأموال الأوروبية. ونشر مركز الأبحاث “اوبن يوروب” الذي يتخذ مقرًا له في بروكسل أمس الأول قائمة مفصلة بالتبذير في الميزانية، فيشير مثلا إلى فاتورة بقيمة 5,25 مليون يورو سددها البرلمان الأوروبي عام 2009 لاستئجار سيارات ليموزين وضعت في تصرف نواب خلال دوراتهم الشهرية في ستراسبورغ. وقال ممثل إحدى الدول: “على البرلمان أن يفهم أن الوضع تبدّل. ليس هناك ميزانية وطنية واحدة تزيد حاليا بنسبة 2,9%. بل على العكس، تقوم جميع الدول بالاقتطاع من نفقاتها وإلغاء آلاف الوظائف. ينبغي الأخذ بهذه الظروف”. وأوضح أن أي زيادة في المساهمات الوطنية في ميزانية الاتحاد الأوروبي يقابلها تخفيض في النفقات الوطنية.