انطلقت مؤخرا فعاليات المؤتمر الدولي للحشود والتجمعات البشرية الذي نظمته وزارة الصحة برعاية كريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز « أيده الله « وحضره أكثر من ( 500 ) مشارك و (30 ) متحدثاً من داخل المملكة وخارجها والذي بدأت أولى جلساته تحت عنوان « طب الحشود والتجمعات البشرية « وبالذات في موسم الحج. في واقع الأمر أن المسمى لهذا المؤتمر الدولي هو مسمى جديد دفعني للخوض بشئ من الإيضاح، في أوراق أعماله لمجرد التناول المعرفي وقد كانت فكرة هذا المؤتمر تحتاج إلى تعريف أشمل وأكبر خصوصاً وأنه يعقد على أرض المملكة ومع اقتراب أكبر تجمع بشري في العالم وهو موسم الحج حيث يلتقي على هذه الأرض الطاهرة في كل عام في نفس المكان والزمان العديد من التجمعات البشرية باختلاف جنسياتها وثقافاتها وحتى إختلاف أمراضها «لاسمح الله»، عندها أدركت أهمية انعقاد هذا المؤتمر في هذا التوقيت بالذات وأهمية انعقاده أيضاً على هذه الأرض الطاهرة ،، وتكمن أهمية هذا المؤتمر في إبراز الجانب الطبي والوقائي وما تتطلبه حقيقة التناول عن التجمع الذي تمثله الحشود البشرية في منطقة الجمرات التي تعد من أبرز التجمعات لحشد بشري في مكان محدد وفي زمن محدد يساهم في انتشار الأوبئة والأمراض إذا ما أحسن إدارة مثل هذه الحشود والتجمعات لذلك أصبح الحج هو الأنموذج المثالي لهذه التجمعات في منطقة الجمرات وحولها .. وقد تناولت العديد من أوراق العمل للمتحدثين في هذا المؤتمر حجم وأهمية ذلك التجمع مع تسليط الضوء على ما تقدمه حكومة خادم الحرمين الشريفين «أعزها الله» من أجل الارتقاء بمستوى الخدمات لضيوف بيت الله الحرام، وكانت هناك أوراق عمل حددت واقع المشاريع التى نفذتها الدولة وكان أهمها وأبرزها إعادة تصميم منطقة الجمرات بأكملها وتحويلها إلى أنموذج رائع لتسهيل خدمة الحشود والتجمعات البشرية حيث تم توفير كافة التدابير اللازمة لتسهيل تحرك الحشود والتجمعات البشرية بمستوى يفوق الوصف، كانت هذه الخطوة وغيرها من الخطوات نتاج الكثير من الدراسات للعديد من الاستشاريين من شركات هندسية عالمية مرموقة. وقد شهد المؤتمر كما عرفت تقديم ورقة عمل للخبير العالمي السويدي « جو هنس « الذي قام بإعداد رسالة الدكتوراه الخاصة به حول موضوع برامج حاسبية تساعد على تحديد نسب مئوية ونزال مبكر لتدفق الحشود البشرية إلى جانب تدفق المركبات في المسارات المختلفة في منطقة الجمرات وخارجها، حيث استعرض العديد من الصور لفترات الذروة، والتي تبدأ من مرحلة الاتجاه إلي الجمرات هبوطاً وصعوداً محدداً كثافة الاندفاع البشرى في تلك المنطقة المحددة وقياس تدفق الموجات البشرية إلى جانب كثافة عدد الحجاج المتجهين إلى مرمي الجمرات في يوم 12 من ذي الحجة. وقد تصدرت أوراق المؤتمر الإعلان عن الانتهاء من الطابق الخامس لجسر الجمرات الجديد لاستقبال الحجاج حيث ستحقق هذه الخطوة نتائج إيجابية للمساعدة في التخفيف من التجمعات البشرية. وأشارت أوراق العمل أيضاً إلي السعي إلى تحسين كل ما يتم إنجازه اليوم في القادم من الأيام إلى الأحسن والأمثل لترسيخ أهمية التعامل بالسلوكيات الحضرية لإدارة هذه الحشود البشرية واستعرضت أحدى أوراق المؤتمر الأعداد البشرية التي يتوقعها موسم الحج كل عام وقد تفوق ذلك في الأعوام القادمة حيث أشارت إلى أن الحجاج تتراوح أعدادهم أكثر من (2.5) مليون مسلم من بينهم (700 ) ألف يسيرون على الأقدام ولا يستخدمون وسائل نقل إلى جانب أن هناك (75) ألف مركبة تقوم بنقل الحجاج من وإلى المشاعر المقدسة خلال فترة زمنية تتراوح مابين 4-6 أيام، وأوضحت الورقة أيضاً أن الحرم المكي يستوعب في موسم الحج حوالي (700) ألف مصل يتجمعون حول الكعبة المشرفة في يوم واحد مما يشكل ضغطاً شديداً على هذه المنطقة إلى جانب أن سعة الطواف حول الكعبة تصل إلي (53) ألفا في جميع المستويات في الحرم بينما تبلغ طاقة المسعى (118) ألف شخص وتبلغ المسافة التي يقطعها الحاج داخل الحرم للطواف والسعي (4.25) كيلو متر من أجل أداء الطواف والسعي، كما يقطع الحاج مسافة (13) كيلو مترا من مكة إلى مني و (19) كيلو مترا إلي عرفة .. وخلصت أوراق عمل المؤتمر إلى ضرورة وأهمية العمل الجاد والمكثف على توعية الحجاج بالمخاطر بكل اللغات وخاصة للحجاج الذين يأتون إلى الحج لأول مره وهناك محاولات لتطوير وسائل التوعية للذهاب إلى الحجاج في بلدانهم أي قبل حضورهم. وأهم وسائل التوعية هي توفير وسائل السلامة بالرغم من توفر ذلك على المنافذ البرية والبحرية والجوية وتقديم العديد من المطبوعات المتخصصة، والتي توضح للحاج تفاصيل سهلة عن التوعية. وخلاصة القول هو أن هذا المؤتمر العالمي عن إدارة الحشود والتجمعات تنطوي تحت مظلته العديد من الأمور الهامة والجديرة بالطرح والتناول ليكون مؤتمراً سنوياً يتم انعقاده على هذه الأرض المباركة لكي يحقق الهدف من خلال تفعيل متطلبات إدارة الحشود والتجمعات على كافة الأصعدة الصحية والبيئية والأمنية، لتحقيق وتأكيد ثقافة التعامل المنظم في منظومة إدارة الحشود والتجمعات في كل الأوقات وفي كل المجتمعات وفي كل الأزمان ..