كنت أتوقع أن يتصدى علماؤنا الأفاضل لنصرة المجتمع السعودي، من التهم التي تعرض لها بنسائه وفتياته وفتيانه على لسان المتحدث الرسمي باسم الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في حلقة النقاش التي نظمها «كرسي الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحسبة وتطبيقاتها المعاصرة» بجامعة الملك سعود، وتناقلتها وسائل الإعلام والصحف والمنتديات الإلكترونية، الذي قال “بالفم المليان”: (إن رجال الهيئة يسترون على الفتاة أو المرأة المضبوطة في خلوة؛ نظرًا إلى طبيعة المجتمع وعاداته وتقاليده، ولو لم نتشدد في الخلوة لتعبنا من اللقطاء) مع ما في كلام مسؤول الهيئة من تناقض، إلا أن التهمة التي ختم بها جملته تعتبر-في رأيي- “سبا” و“قذفا” في المجتمع بجميع شرائحه وفئاته، لأنها تظهرهم مواطنين دون وازع ديني وأخلاقي، يهيمون على شهواتهم، ويطلقون عقال حيوانيتهم، لولا عيون الهيئة المبثوثة في كل بيت وفي كل شارع وعطفة، لأصبح المجتمع مفرخة للقطاء، وليس لكلامه غير هذا المعنى! الغريب في الأمر أن يسارع الشيخ النجيمي برفض (مبدأ إطلاق سراح المرأة أو الفتاة والستر عليها، وتسليمها لأهلها مع أخذ تعهد، وبالمقابل تحميل المسؤولية للشاب أو الرجل) كما ورد في مطالبة الشيخ النجيمي بمعاملة الطرفين بمعيار واحد والمنشور في ملحق الرسالة (المدينة) الجمعة 28/ 12/ 1431ه حيث قال: (الستر على الفتاة ومعاقبة الشاب أمر غير مناسب، وليس إجراء نظاميا، ولا شرعيا) بدلا من الاعتراض على السب والقذف في حديث متحدث الهيئة!! الحقيقة أني مندهشة جدا من هذا التناقض في فكر الشيخ النجيمي؛ فالشيخ النجيمي الذي وصف الرجال بالوحوش، وأبدى تعاطفه مع النساء بوصفهن كائنات لطيفة ظريفة تستحق أن يخلع «العالم» سمته ووقاره، أمام جمع نسوي، تسرية لهن عن مخالطة الرجال الوحوش، كما رأينا وسمعنا في ندوة الكويت أمام الناشطات الكويتيات في القضية الشهيرة، حيث كان يدافع عن النساء “بحنية” ويصف الرجال “بالوحوش” أراه اليوم، وقد تخلص من “الحنية” ومن قناعته التي رسختها في وعيه والدته -كما جاء في حديثه في الندوة- بأن الرجال وحوش، وهو يضع الحمل في نفس خانة الذئب، ويريد للضحية نفس عقاب الوحش المفترس! عجبا ياشيخنا الوقور، كيف تقع في هذا التناقض ولم يمض على حديثك المشهور في ندوة ناشطات الكويت غير شهور؟!! لماذا لم تنبر للدفاع عن عفة المجتمع التي أهدرها مسؤول الهيئة في ندوة علمية وعلى الملأ بحضور مسؤولين وإعلاميين وصحافيين؟! هل يعني هذا أن عفة ابنتي وابنتك، وحمايتهما من الخطيئة كانت على يد رجال الهيئة الأشاوس، وأننا كمجتمع وأسرة وأم وأب ليس لنا دور في تربية أبنائنا وبناتنا على الفضيلة والعفة والأخلاق الحميدة، بل الخوف من رجال الهيئة هو الذي حمى أبنائي وبناتي وأبناؤكم من الخطيئة؟! لماذا لا يكون الخوف من رجال الهيئة سببا في تدمير حياة فتيات وفتيان وأسر أوقعهم حظهم العاثر في طريق بعض رجال الهيئة من المتربصين بأبناء المجتمع والذين يحملون نفس هذا الفكر الذي تحدث به متحدثهم الرسمي؟! أم أن أكثر أفراد المجتمع السعودي بلا أخلاق وأنهم أقرب للخطيئة، لذلك يثور الشك في كل شاب وفتاة يسيران معا، حتى لو كانا زوجين أو أشقاء، استنادا إلى العديد من الحوادث التي ارتكبها بعض رجال الهيئة خلال السنوات الماضية وأوقعت بضحايا أبرياء، وما على المعترض سوى تحريك مؤشر البحث على “Google” ليطلع على الحوادث والقضايا، ويفرق بين ما أقوله وما ورد في حديث د/ القفاري! هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثار حولها الضجيج والشد والجذب، وسعت إلى التطوير والتحديث في أسلوبها وآلياتها وأفكارها، كي تزيل هذه الجفوة حد البغضاء بينها وبين المجتمع السعودي، حتى المقيمون عربا وأجانب كان في نفوسهم ذات المشاعر، لذلك كان التغيير والتطوير الوسيلة الأجدى لتغيير المشاعر السلبية إلى إيجابية، كي يتم للهيئة القبول ككيان إرشادي قبل أن يكون رقابيا لتصحيح أخطاء الجهل، على أن تنزع من يدها سوط البطش والشك، لكن يبدو أن التغيير لم يتغلغل إلى النفوس والعقول بدليل هذا الكلام على لسان المتحدث الرسمي باسم الهيئة، المستفز لغيرة وحمية المجتمع السعودي الذي لا يقبل أن يوصم بالشهواني والحيواني ولا حتى يقبل لشبابه وشاباته هذا القذف وهذه التهم! أما بالنسبة للستر على الفتاة التي يطالب الشيخ النجيمي بمساواتها في العقوبة مع الفتى، فهو طلب يبدو غريبا، من عالم فاضل يعرف جيدا التراث الديني الثقافي الذي قرر أن “النساء ناقصات عقل ودين” وأن النساء تعلو فيهن العاطفة على العقل، وأن الرجولة تعني رجحان العقل، وأن الذكر يولد رجلا فعقله راجح حتى لو كان فتى! كيف إذن يولى الطفل على أمه البالغة الراشدة المتعلمة، وكيف يولى أمرها وأمر أخته البالغة الرشيدة، إلا إذا كان ذا عقل راجح، ونظر ثاقب، وتصرف حكيم، لذلك لا بد ألا يتساوى مع المرأة ناقصة العقل والدين، التي تستحق ألا يثق بها المجتمع فيجعل جماع أمرها في يد رجل حتى لو كان ابنها الصغير!! إذا حققت الهيئة طلب الشيخ النجيمي، بإنفاذ نفس العقوبة على الفتى والفتاة، أو الرجل والمرأة بتسليمهما لجهات الاختصاص؛ فلا بد من الإقرار أولا بمسؤولية المرأة، ورفع الوصاية عنها وتركها تتحمل خطاياها وما اقترفته يداها، أي رفع الولاية عنها، والاعتراف بأنها كيان إنساني عاقل راشد مكلف ومسؤول كما خلقها رب العباد! أيام قليلة ويصعد الحجيج إلى عرفات وبعده أيام التشريق وعيد الأضحى المبارك، تقبل الله من الجميع أعمالهم الصالحات في العشر المباركات من ذي الحجة، اللهم ارحم أمواتنا وموتى المسلمين واشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، وكل عام وانتم بخير! [email protected]