يُخْطئ أشدّ الخطأ مَن يتغافل الدّور الذي يجب أنْ تضْطلع به أيّ جامعة مَرْموقة، ويخطئ أشدّ الخطأ -أيضًا- مَنْ يعتقد أنّ الجامعات بأساتذتها، وباحثيها، وطلابها بمعزل عن التّفاعل المجتمعيّ والحِراك الثّقافيّ، ويزداد الخطأ حينما يُبرهن البعضُ على أنّ نجاح أيّ جامعة مرهون بمبانيها الفارهة، وأسوارها اللّافتة التي تسرّ النّاظرين، وتأخذ بلب الزّائرين؛ وهي في حقيقة واقعها فارغة من أيّ مضمون علميّ، أو نشاط فكريّ، أو تفاعل حيّ تتحسّس به ما يعتور محيطها من هموم، وتطلعات، وقضايا وطنيّة. فهل يشكّ عاقلٌ أنّ هناك حزمةً من الجامعات (المُحْدَثة)، أو (العتيقة) لا نعرفها معرفة تقريب أو تحقيق، حتّى ظننا أنّها تلحّفت رداء التّقوقع، فأصبحت إلى السّبات والنّوم العميق أقرب منها إلى الصحو والتّفاعل والمشاركة. وعطفًا على ما قلت به قبلاً؛ فلا تثريب على مَن يقول إنّ الجامعة الإسلاميّة أصبحت في الطّليعة بين لدّاتها من الجامعات الوطنيّة؛ حِراكًا فكريًّا، ونشاطًا تفاعليًّا بعد أن أخرجها قائدها معالي الدكتور محمّد العقلا من عِقالها؛ فأضحت خلية نحلٍ لا تهدأ، وورشة عمل لا تقف. ولقد كان لي شرف حضور المحاضرة التي أقامتها الجامعة الإسلاميّة قبل عدّة أيام بعنوان (القضاء السعودي بين أصالة المنهج ورغبة التّطوير) لمعالي وزير العدل الدكتور محمّد العيسى، فالعنوان يُغري بالحضور، ويدعو إلى التّفاؤل، ويبعث على الأمل في ظلّ ما أحدثته المرّحلة الرّاهنة من تحوّلات كبرى لا تغرب عن بال الوزير ووزارته. ولا يشكّ كل مَن حضر أنّ الوزير كان في غاية الصّراحة في كثير ممّا لامسه من هموم القضاء وتطلعاته، وإن تبدّت الدبلوماسيّة في إجاباته عن سؤالات المداخلين التي كانت أشبه بالسّهام منها إلى السؤال أو الاستيضاح. إن القول بعدم وجود “الفساد” بمفهومه الواسع في أيّ دائرة حكوميّة نوع من التجاوز غير المقبول ، وسطوة على بشريتنا التي يأتي منها الخطأ، كما يأتي منها الصواب.. “وما أبريء نفسي إنّ النّفس لأمارة بالسّوء”!! صحيحٌ أنّ كلمة (فساد) كلمة مؤذية؛ ولكنّها -أيضًا- حاضرة بقوة في الكثير من دوائرنا الحكوميّة: فسرقة المال العام فساد، والرّشوة فساد، وتأخير المعاملات فساد، وتمريرها بصورة غير قانونيّة فساد، والمماطلة في المواعيد فساد، والتّقصير عن أداء الواجبات فساد، والتّأخر في الحضور فساد، والخروج قبل موعد الانصراف فساد، والتّعامل السلبيّ مع المواطن فساد، والتّعالي عليه فساد، وأذيته في إنسانيته فساد، والتّسويف في إنجاز الواجب فساد. وهناك قائمة عريضة من جوانب الفساد يعرفها من يعاشر دوائرنا الحكوميّة ويخبرها عن قرب. ماذا بقي من قول؟ بقي أنْ أقول -وأنا صادق محبّ لهذا الوطن- إنّ كتلاً كبيرة من أنواع الفساد تنخر في دوائرنا الحكوميّة حتّى أصبح المفسد يلتذّ بمفسدته؛ فأشقى بسوء عمله، وقبح مسلكه البلاد والعباد، وإنّ مثله كمثل الجرثومة الخبيثة حينما تعطب الثمار، وتقتل عمل المصلحين!!