عرض صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل رئيس مجلس إدارة مركز فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية الملامح الرئيسية لتاريخ المملكة العربية السعودية الحديث خلال محاضرة ألقاها امس في جامعة جنوب فلوريدا وشارك في حضورها عدد من الأكاديميين والباحثين في مجال الدراسات الإسلامية والعربية. وبين سموه أهمية الإنجاز التاريخي العظيم الذي حققه جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله في تأسيس وبناء المملكة العربية السعودية بوصفها دولة إسلامية وعربية موحدة ومستقلة. وسرد سموه مراحل تطور المملكة في العقود التالية لمرحلة التأسيس والسياسات الناجحة التي انتهجها قادة المملكة في مجالات التنمية الداخلية والعلاقات الخارجية وتجاوزت المملكة بها التحديات والظروف التي واجهت العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وأشار سمو الأمير تركي الفيصل إلى اهتمام المملكة المبكر بالقضية الفلسطينية مؤكداً أن استعادة حقوق الشعب الفلسطيني عنصر ضروري لتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. وقال “إن حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي شهدت دعوات القومية والاشتراكية على النطاق الإقليمي وصراع الحرب الباردة على النطاق العالمي . وتميزت تلك الفترة بدعوة المملكة إلى التضامن الإسلامي وجهودها لتأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي التي تضم في عضويتها في الوقت الحاضر سبعا وخمسين دولة إسلامية وخمسة أعضاء مراقبين من بينهم جمهورية روسيا الاتحادية . وقد أصبحت منظمة المؤتمر الإسلامي أكبر منظمة دولية بعد منظمة الأممالمتحدة وأصبح لها دور فعال في خدمة مصالح الدول الإسلامية. التصدي للتطرف الديني في أحداث الحرم 1979 وعرض سموه أهم أحداث حقبة السبعينيات والثمانينيات وقال”إن المملكة تصدت للتطرف الديني الذي تمثل في أحداث الحرم في نوفمبر 1979 وللأحداث التي رافقت الثورة الإيرانية والحرب بين العراق وإيران والاحتلال السوفيتي لأفغانستان مشيراً إلى المساعدات التي قدمتها المملكة والولايات المتحدة للمجاهدين الأفغان في تلك الفترة”. وأضاف بأن المملكة واجهت في حقبة التسعينيات التحدي المتمثل في الغزو العراقي للكويت وكان لموقف المملكة الدور الكبير في تحرير الكويت بمساعدة قوات التحالف الدولي. وفي مجال التطورات الداخلية قال سموه إن تلك الفترة شهدت إصدار نظام الحكم الأساسي وتشكيل مجلس الشورى وإجراء الإصلاحات الاجتماعية وذلك إلى جانب دعم علاقات المملكة الخارجية وتعزيز دورها في المجالات الدولية. السعودية واجهت ارهاب القاعدة بعد 11 سبتمبر وتطرق سمو الأمير تركي الفيصل إلى الظروف التي واجهتها المملكة في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 وأشار في هذا الصدد إلى أن المملكة كانت من أول الدول التي استهدفها تنظيم القاعدة بالأعمال الإرهابية . مشيدا بالحملة القوية التي قامت بها السلطات السعودية لاجتثاث الإرهاب والتوعية بأخطاره وإسهام كبار العلماء ومناهج التعليم في نبذ التطرف والغلو. وتناول استمرار جهود المملكة في مكافحة الإرهاب ونجاح برنامج مناصحة المعتقلين بتهم الإرهاب وإعادة تأهيلهم وتأكيد ارتباطهم بأسرهم ومجتمعهم مما يساهم في تغيير أفكارهم وانخفاض نسبة من يعودون منهم لممارسة التطرف إلى أدنى حد ممكن. وأكد سمو الأمير تركي الفيصل الأهمية الكبرى للإصلاحات التي يرعاها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله وتأسيسه لبرنامج الحوار الوطني لمناقشة القضايا التي تهم المجتمع السعودي ومن بينها مكافحة التطرف والإرهاب وإصلاح أنظمة التعليم وتعزيز دور المرأة في المجتمع ومختلف القضايا الاجتماعية والاقتصادية. المبادرة العربية لقيت التأييد العالمى وفي المجال السياسي أشار سموه إلى مبادرة السلام العربية التي اقترحها خادم الحرمين الشريفين عام 2002 وأجمعت عليها الدول العربية في قمة بيروت . وقد وصفها الأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة بان كي مون بقوله : (إن مبادرة السلام العربية هي من أعمدة عملية السلام وأنها ترسل إشارة واضحة بأن العالم العربي يتطلع إلى السلام ) . وقال سموه وذلك إلى جانب التأييد الذي وجدته مبادرة السلام العربية من قادة العالم ومفكريه بينما لا نزال ننتظر قبول إسرائيل بهذا الحل العادل للنزاع في الشرق الأوسط. ونوه سمو الأمير تركي الفيصل بالمنجزات الكبيرة التي حققتها المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله ومنها خلال السنوات القليلة الماضية انضمام المملكة إلى عضوية منظمة التجارة العالمية وتأسيس المجلس الاقتصادي الأعلى ودعم نشاط مجلس البترول الأعلى وإعادة تنظيم جهاز القضاء السعودي. وفي مجال التعليم أشار سموه إلى برنامج الملك عبدالله بن عبدالعزيز للابتعاث الخارجي الذي يشمل أكثر من تسعين ألف مبتعث سعودي للدراسة في جامعات مرموقة في أكثر من خمسين دولة وذلك إلى جانب التوسع الكبير في تأسيس الجامعات داخل المملكة وتأسيس جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية بوصفها من أحدث وأرقى مراكز البحث العلمي. وبين سمو الأمير تركي الفيصل أن دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله للحوار بين أتباع الأديان والثقافات مبنية على أن ما يجمع بين الشعوب أكثر مما يفرقها . وقد بدأت مسيرة الحوار بمؤتمر مكة عام 2008 وانطلقت إلى العالم في مؤتمر مدريد ثم انتقلت إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث وجدت دعوة خادم الحرمين الشريفين تأييد أكثر من ستين من رؤساء دول العالم وتقرر تأسيس أمانة عامة لحوار أتباع الأديان والثقافات لتعزيز ثقافة الحوار والسلام والمضي بها قدماً إلى الأمام. وأعرب سموه في ختام كلمته عن اعتزازه بالحديث عن التقدم الذي تحرزه المملكة معبراً عن تقديره لأواصر الصداقة بين المملكة والولايات المتحدة ودور البلدين في خدمة أهداف الرخاء والتقدم والسلام للإنسانية جمعاء.