برزت في السنوات الأخيرة ظاهرة الصالونات الثقافية التي يقيمها بعض الأدباء والمثقفين والوجهاء في منازلهم في مناطق مختلفة من المملكة في أحد أيام الأسبوع ، وتنسب إليه ، فيقال : سبتية ، أو أحدية ، أو ثلوثية ..إلخ وهذه الصالونات أو الندوات البيتيّة تعد روافد مهمة للمؤسسات الثقافية الرسمية كالأندية الأدبية وغيرها . وتأثير هذه الندوات وشهرتها جاءت من خلال الحضور المكثّف الذي استقطبته ؛ نظراً للجهود التي يبذلها صاحب الندوة بعلاقاته الشخصية ومن خلال رسائل الجوال والاتصالات الهاتفية و(الفاكسات) ؛ ومن هنا أظهرت الصحف المحلية اهتماماً بأخبارها ومتابعة لما يدور فيها ، وخصصت لها «المجلة العربية» قبل عدة سنوات زاوية للتعريف بها وبأصحابها، وكان يشرف على الزاوية زميلنا الأستاذ سهم بن ضاوي الدعجاني الذي راق له أن يؤرِّخ للصالونات بكتاب ، وليس من خلال المجلة فحسب ، وكان ذلك في العام 1427ه/2006م حينما دفع بمادة الكتاب للمطابع وصدر تحت عنوان “الصالونات الأدبية في المملكة العربية السعودية : رصد وتوثيق” ، وجاء في مئتين وخمس وخمسين صفحة من القطع المتوسط ، وقدّم له الأستاذ حمد بن عبدالله القاضي رئيس تحرير المجلة العربية سابقاً . وقد خصّص المؤلف عشرين صفحة من الكتاب للتأريخ للصالونات في المملكة ، محاولاً البحث عن الجذور القديمة التي تعد نواة للصالونات الحديثة ، ووفق إلى حد كبير في هذا التمهيد . وبالاطلاع على مادة الكتاب يظهر بوضوح أن عنوان الكتاب غير دقيق ، وأن العنوان الأدق “الصالونات الثقافية” ؛ لأن عدداً من الصالونات التي عرض لها ليس لها اهتمام بالأدب تحديداً ، ويغلب عليها الاهتمام بالشأن الثقافي العام ، وبعضها متخصص ، ومثال ذلك : ندوة معتوق شلبي الإعلامية ، وثلوثية بامحسون الاقتصادية ، ثم إن المؤلف وصف بعض الصالونات بأنها ثقافية ، ومنها : إثنينية عثمان الصالح بالرياض، وأحدية أحمد المبارك بالأحساء ، ومنتدى المحيش بالأحساء ، وإثنينية النعيم بالأحساء ، وندوة الوفاء بالرياض ، مما يؤكد أن وصف « الثقافية « أدق من “الأدبية” . وفي المقدمة أشار المؤلف إلى أنه سيعتمد في الحديث عن الصالونات « الترتيب الأبجدي» ، ثم استثنى من ذلك إثنينية عبدالمقصود خوجة بجدة ، وعلّل الأمر قائلاً : « صدّرت بها الترتيب لما وقر في نفسي من تميزها في هذا الميدان ، وهذا اجتهاد مني..!». ولي على هذه النقطة تعليقان ، فالترتيب الذي سار عليه هو ترتيب هجائي ، وليس أبجدياً ، واستثناء إثنينية خوجة وكسر المنهج الذي سار عليه اجتهاد لم يحالفه التوفيق . وبعد ، فيظهر أن بعض هذه الصالونات قد توقف لوفاة أصحابها ، أو لمرضهم أو انشغالهم ، وهناك عدم انتظام في العديد منها ، مما يؤكد أن المستقبل للمؤسسات الثقافية الرسمية التي لا ترتبط بأشخاص معينين . على أنني سمعت أن هناك توجهاً من بعض أصحاب الصالونات الشهيرة (صالون خوجة نموذجاً) لتحويلها إلى مؤسسة تأخذ طابع الرسمية من خلال مجلس إدارة يتولى شؤونها ، وهذا هو الحل الوحيد في نظري لاستمرار الصالونات وضمان عدم توقفها . [email protected]