عالم في الطب، وفقيه له رؤيته وأبحاثه الشرعية حول الكثير من النوازل والقضايا المستحدثة، وبخاصة التي تتعلق بالطب، وله مؤلفاته وكتبه التي تجاوزت الخمسين مؤلفًا، وله حضوره في المؤتمرات الفقهية والطبية التي تعقدها المجامع والهيئات الشرعية، طرح العديد من القضايا المجتمعية خاصة في مجال الإعجاز العلمي، وأضرار التدخين والمخدرات والخمور، والأمراض الجنسية والايدز، وله رؤيته المستمدة من شرع الله والسنة المطهرة في تقديم العلاجات الناجعة للكثير من الأمراض، يداوم على حضور العديد من المؤتمرات الفقهية والطبية، ومؤتمرات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، ومؤتمرات مجمع الفقه الإسلامي. إنه الدكتور محمد بن علي البار الطبيب الفقيه والجراح الماهر، زميل الكلية الملكية للأطباء بلندن ومستشار قسم الطب الإسلامي بمركز الملك فهد للبحوث الطبية، بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، عضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي. التقت به “الرسالة” وحاورته حول الكثير من القضايا التي تثير اللغط والجدال من إسهامات العرب والمسلمين في مجالات الطب، إلى التضارب في الفتاوى في قضايا النوازل، وما يثار من شكوك حول الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وغيرها من القضايا فكان الحوار التالي: الإعجاز والتشكيك هناك حملات تشكيك تظهر بين فترة وأخرى في مسائل الإعجاز العلمي في القرآن الكريم لماذا؟ وهل هناك دوافع معينة وراءها؟ - الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة مثبت ببحوث علمية وطبية، وقام بها متخصصون، ولا مجال للتشكيك في ذلك، ومن يقول بذلك فهو غير متخصص ولا مطلع على هذه الأبحاث، ومؤتمرات الإعجاز العلمي موجودة ومستمرة، ولكن الزخم الإعلامي عليها انتهى، وهناك بحوث في الإعجاز حتى في المراكز العلمية في موسكو وإندونيسيا. ولماذا يشكك البعض فيه؟ - هناك من يتخوف من أن يدخل في مجال الإعجاز العلمي من لا علم له، ويقحم آيات وأحاديث بعيدة عن الإعجاز، أو يقوم بلي أعناق الآيات، وهذا تخوف مشروع ولكن هناك الآن “هيئة الإعجاز العلمي” بها نخب شرعية وعلمية متخصصة، وهذا ما يجعل التخوف غير موجود، وهناك علماء تفسير وأصول وفقهاء يراجعون الأبحاث الخاصة بالإعجاز، وهي تقلِّل إلى حد كبير لي أعناق الآيات والبعد عن مفهومها الصحيح. وهناك أناس يدخلون الدين في أي موضوع حياتي دون علم أو فقه، ولكن هناك انزعاج من قبل بعض الغربيين والعلمانيين من التزام الكثيرين من المتخصصين من أبناء المسلمين في علوم الطب والفلك والعلوم الحديثة، فقد كانوا يتوقعون أن الدارسين لهذه العلوم أقرب للعلمانية، ومن المفترض أن يكونوا روادًا لها في العالم العربي والإسلامي، فعندما يتحول هؤلاء إلى دعاة للإسلام، تصبح المعركة في نظر هؤلاء شرسة، وفد قرأت تقريرًا في مجلة “نيوزويك” رصد الجامعات الموجودة في العالم الإسلامي من المغرب إلى إندونيسيا، ووجدوا أن معظم المتدينين في الكليات العلمية، خصوصًا الطب والهندسة والعلوم، وان التيار الإسلامي في هذه الكليات أقوى من الكليات الإنسانية، وهذه كانت مفاجأة لهم لم يتوقعوها. أعطني قضية هل هناك قضايا إعجاز أعلن عنها وأثير حولها جدال بسبب لي الأعناق؟ - بالنسبة للهيئات المتخصصة في الإعجاز لم يحدث ذلك، وأريد ممن يزعم بهذا أن يقول لنا الدليل وأنا أتحدث عن الهيئات العلمية الشرعية المؤسسية المختصة بقضايا الإعجاز. ولكن يوجد في التفاسير؟ - هناك اختلاف في فهم معنى الآيات الخاصة بالأحكام، والمعنى الذي نقوله اليوم كعلماء في الطب يكون أدق مما قاله ابن كثير في تفسيره للعلقة التي فسرها ابن كثير بأنها “الدم الغليظ”، ولو كانت العلقة دمًا غليظًا لمات الجنين، لكنه شيء صغير له متعلقات بجدار الرحم، فما الذي يلزمني إذًا بفهم ابن كثير حول هذا المعنى؟ وبخاصة أنه لا توجد آية أو حديث شريف يلزمني بتفسير ابن كثير، فالفهم الآن يتسع، وعلوم الآن أكثر اتساعًا ودقة وتخصصية، وأنا دائمًا أبحث لنفسي لقوم من الفقهاء والمفسرين قالوا بالقول الذي أقوله، فأجد لي في أقوالهم مرجعًا أرجع إليه. سبقنا الأوربيون؟ تقول إننا سبقنا الأوروبيون في علم الأجنة كيف ذلك وهم يملكون علوم الطب الحديث؟ - نعم هذا صحيح، بل هذه الحقيقة حيث إننا سبقنا الأوروبيون في تحديد الأجنة، فبعد إباحة أطفال الأنابيب وفق الضوابط الشرعية، كانت نسبة إجراء هذه العمليات قليلة جدًا، فنسبة نجاح طفل الأنابيب كانت بين 5% و7%، وأحيانًا كان يحدث حمل، وكلما زاد الحمل عن الطفل الواحد تبدأ المضاعفات على المرأة، والجنين وعمومًا هذه قضية علمية يطول شرحها، ولكن مجمع الفقه الإسلامي أول من تنبه لهذا الأمر من أول لحظة وقرر ممنوع إعادة أي عدد إضافي من اللقاحات، وبعد ذلك بسنوات اخذ بما قاله المجمع الفقهي المراكز الطبية في ألمانيا والسويد والنرويج، ووضعت إجراءات حاسمة وصلت إلى حد الشطب من مزاولة المهنة لمن يخالفون، فالمجمع له الفضل بحمد الله في تحديد التلقيح المطلوب للأجنة وأي اللقاحات أفضل، وحتى في الخلايا الجذعية رأى المجمع إذا حدث وهناك فائض في اللقاحات أن تستخدم في الخلايا الجذعية. الموت الدماغي بالنسبة للموت الدماغي وفتوى الهيئات الشرعية؟ - الموت الدماغي لو مات جزء من الدماغ لا يسمى موتًَا، فلا بد من موت الدماغ وهذا متفق عليه لا بد من موت الدماغ كله بما فيه جذع الدماغ، فتوقف عنه الأجهزة، بعد التشخيص وفق المعايير الدولية عند الأطباء. وفتاوى العلماء؟ - فتوى الشيخ ابن باز أن هيئة من ثلاثة أطباء ثقات، هي التي تفحص الميت دماغيًا وتقرر ان كان العلاج يفيد أم لا يفيد، وإذا رفض أهل المريض نزع الأجهزة قال الشيخ إن هذا أمر طبي وليس للأهل فيه قرار. والإذن من المريض أو أهله؟ - موقف علماء المسلمين واضح في أمور الإنعاش والإسعافات الضرورية، ولا يلتفت لإذن الشخص أو دون إذنه حتى لو قال الشخص إنه لا يريد الإنعاش فهذا لا يؤخذ به ويتم إنعاشه لأن الإسلام يرفض ذلك. ولكن هناك من يطلب القتل الرحيم؟ - في أوربا القتل الرحيم يتوقف على قرار الشخص، فهناك من لديه كابنه يطلب أن يقتل، وهذا لا يجوز شرعًا، وهي جريمة قتل متكاملة الأركان، يعاقب عليها فاعلها بالقصاص أو التعزير. الفتاوى لا تصل وهل أبحاث وآراء المجامع الفقهية تصل إلى الأطباء؟ - للأسف العيب الكبير فإن فتاوى وأبحاث مجمع الفقه الإسلامي الدولي، وراء الهيئات الشرعية في هذه القضايا لا تصل إلى الأطباء، ولا تجد هذه القرارات الشرعية اهتمامًا من الإعلام، رغم أنها حلت مشكلات كثيرة مستعصية، وجهود فقهاء وعلماء متخصصين. الإثارة لا تصلح هناك اهتمام إعلامي بالقضايا المستحدثة؟ - للأسف الاهتمام الإعلامي بقضايا معينة من قبيل الإثارة الإعلامية، وتعرض بدون فهم، وإذا سلمنا أن الإثارة مهمة للإعلام، ولكن لا تكون على حساب النتائج العلمية والقرارات الشرعية. أهمية المختصين بالنسبة للمجامع الفقهية وانت عضو فيها لماذا لا تهتم بآراء المختصين في المجالات المختلفة؟ بالعكس المجامع الفقهية تعتمد على الخبراء والمختصين اعتمادًا كبيرًا، وانظر إلى أي مؤتمر للمجمع الفقهي الإسلامي تجد عددًا كبيرًا من الخبراء في المجالات التي تتم مناقشتها، مختصون في الطب إذا كان الموضوع طبيًا، ومختصون في الاقتصاد إذا كان الموضوع اقتصاديًا وهكذا، بل يقوم المجمع بعمل ندوات متخصصة يستضيف فيها مختصون. وهل الفقيه في حاجة إلى الخبير؟ - في قضايا النوازل والمستحدثات لا بد من رأي الخبير العالم المختص في النازلة، فمثلًا الرأي في قضية الاستنساخ يحتاج إلى مختصين من الأطباء، وكذلك في قضايا البنوك والاقتصاد، فالفقيه لا يستطيع الإلمام بالقضية دون رأي الخبراء فيها، ولا يستطيع الإلمام بكل علوم الفقه، وهنا تظهر الحاجة إلى التخصص في مجال معين، ولا بد أن تتوجه الجامعات لنوع التخصص في الفقه في أقسام الدراسات العليا، وتنشئ أقسام متخصصة. هناك من يتهم المجامع الفقهية بالانعزال عن المجتمع؟ - هذا غير صحيح، ولكن المجامع الفقهية بحكم تكوينها من فقهاء ومختصين وخبراء، وبحكم عملها فإن لها مجالات محددة، فهي تناقش القضايا من منظور شرعي وتصدر قراراتها وتوصياتها بشأنها، ولا يمكن اتهامها بالانعزال أو الانفصال عن الإعلام. وهل هناك تنازع في الاختصاصات بين المجمع الفقهي وهيئات كبار العلماء؟ - يوجد تكامل وتعاون وتنسيق، وكل له مجاله واختصاصاته، وهناك أعضاء في المجمع الفقهي الإسلامي أعضاء في هيئة كبار العلماء. هيمنة المذهبية وماذا عن هيمنة المذهبية على أعمال المجمع الفقهي؟ - المجمع الفقهي لكل المذاهب الإسلامية المختلفة، وهو مجال التقاء لا مجال تنافس، وألمس المودة والحب والتآخي في اجتماعات المجمع بين من يمثلون المذاهب المختلفة. وهل المجمع يتجنب مناقشة العقائد حتى لا يقع في بؤرة الاختلافات؟ - المجمع فقهي، يتناول قضايا من منظور فقهي، ولا مكان فيه لمناقشة العقائد، ومن ثم هو لا يتعرض للخلاف العقدي، والمذاهب لا يمكن تغييرها بين يوم وليلة، واللقاء ييسر فهم القضايا. الحوار موجود، ويسوده تفاهم وتناغم ولا يمكن أن يكون “حوار طرشان”. **** د. البار في سطور • بكالوريوس طب وجراحة (درجة الشرف)، جامعة القاهرة في عام 1964م. • دبلوم أمراض باطنية، جامعة القاهرة في عام 1969م. • عضوية الكليات الملكية للأطباء بالمملكة المتحدة (لندن، أدنبره وجلاسجو) في فبراير 1971م. •زمالة الكلية الملكية للأطباء بلندن في عام 1994م. • استشاري أمراض باطنية. • مستشار قسم الطب الإسلامي، مركز الملك فهد للبحوث الطبية، جامعة الملك عبدالعزيز بجدة. • شارك في مؤتمرات الطب الإسلامي ومؤتمرات مكافحة التدخين والمسكرات والمخدرات بأبحاث عدة، وشارك في المجامع الفقهية المنعقدة في رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة وفي جدة وعمان والكويت وشارك في ندوات المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت ومؤتمرات الأطباء العرب في عمان وغيرها. • له مئات المحاضرات عن التدخين، والخمور، والمخدرات والأمراض الجنسية والإيدز والإعجاز الطبي في القرآن.. الخ في العديد من الجامعات والأندية والمدارس. • شارك في أبحاث هيئة الإعجاز العلمي ومؤتمراتها، وكتب مئات المقالات في الصحف والمجلات. • للدكتور البار أكثر من 50 مؤلفًا أبرزها: خلق الإنسان بين الطب والقرآن، الخمر بين الطب والفقه، التدخين وأثره على الصحة، العدوى بين الطب وحديث المصطفى، الصوم وأمراض السمنة، دورة الأرحام، عمل المرأة في الميزان، الوجيز في علم الأجنة القرآني، مشكلة الإجهاض، هل هناك طب نبوي؟ موت القلب أو موت الدماغ، أخلاقيات التلقيح الاصطناعي، الأحكام الفقهية والأسرار الطبية في تحريم لحم الخنزير، علم التشريح عند المسلمين، الأضرار الصحية للمسكرات والمخدرات والمنبهات، المسيح المنتظر وتعاليم التلمود، تيه العرب وتيه بني إسرائيل، ماذا في الأمرين من الشفاء: الصبر والثفاء، التبغ والتدخين تجارة الموت الخاسرة، الإمام السيوطي وكتبه في الطب النبوي، المسلمون في الاتحاد السوفييتي عبر التاريخ، طفل الأنبوب والتلقيح الاصطناعي، الأمراض الجنسية أسبابها وعلاجها، الإيدز وباء العصر، سياسة ووسائل تحديد النسل في الماضي والحاضر، الطب النبوي لعبدالملك بن حبيب الأندلسي، موسوعة سنن الفطرة: الختان، مشاكل طبية فقهية تبحث عن حلول: أحكام التداوي، المشاكل الاجتماعية والفقهية لمرض الإيدز. *** جراحات التجميل في المستشفيات “تجارة كبرى” ولا علاقة لها بالحلال والحرام جراحات التجميل صارت تجارة ربحية كبيرة، ومصدر دخل كبير للمستشفيات، والإثارة هنا للترويج لهذه التجارة. لا نقول إن هذه الجراحات حرام أو حلال، ولكن هناك جراحات تجميل ضرورية ولازمة، بسبب مرض أو نتيجة حادث أو عملية، فالتشوه الناتج عن مرض لا بد من علاجه، أما التجميل لتغيير الخلقة، والموضة وما شابه ذلك فهذا لا يجوز، وأنا أعتبر أن كل عمليات التجميل غير المرتبطة بسبب وجيه وجوهري، اعتبرها تغييرًا لخلق الله مثل “الوشم”وهو كله محرم. للأسف فإن عمليات التجميل صارت أكبر دخل للمستشفيات الآن رغم علم الكثيرين بأنها محرمة ولا تجوز، والإعلانات الآن التي تعتمد عليها هذه المستشفيات معظمها عن عمليات التجميل وهي تجارة ضخمة عالمية ومحلية وصارت صناعة، وهي لا تقوم على أساس حقيقي، مترفون ومترفات يريدون تغيير الشكل دون النظر إلى الحرام والحلال، وهذا أمر مرفوض دينيًا وعقليًا ومجتمعيًا، للأسف المجتمعات المسلمة لا تجد ما يكفيها من العلاج من الأمراض ونجد من يلهثون لإنفاق الآلاف لتغيير الخلقة، وهذه عمليات عبثية لإضاعة الأموال والأوقات، وهدر في الإمكانات، وكان من الممكن أن توجه هذه الأموال في النافع والمفيد للمجتمع.