* أستغرب حد الفاجعة حينما أستمع إلى بعض من تعتقد أنهم من النخبة المتعلمة، وهم لا يدركون أهمية وقيمة المحافظة على مكونات الهوية الذاتية لنا كأفراد وكمجتمع، ففي كثير من المنتديات المجتمعية وفي بعض وسائل الإعلام مَنْ يتفذلك بأن بعضاً من مكونات هويتنا الوطنية إنما هي ماضوية وأن المطالبين بها إنما هم رجعيون لا عصريون. * لست في حاجة إلى تعريف ماهية الهوية، فالقواميس و(العم قوقل) كفوني مؤنة ذلك ولكن ومن باب التأكيد أن كل فرد منا إنما هو نتاج تاريخ طويل جداً جداً من المكونات الثقافية في كل تشكلاتها السياسية والاقتصادية والبيئية والعرقية والمجتمعية والفكرية، وأن هذه المكونات هي هويته الذاتية شاء أم أبى، فالعربي والمسلم ليسا من الأنجلوساكسون حتى وإن تحدثا لغتهم بطلاقة وكانت عيناهما زرقاوين..! * بعض أحبتنا من أصحاب التخصصات العلمية التطبيقية وبعض محدودي التعليم أتعبونا ليل نهار بالمناداة بعدم أهمية العلوم الإنسانية وعدم فائدة الآداب والتاريخ لانتمائها إلى عوالم ماضوية وأن أي اهتمام بهكذا علوم ومعارف مضيعة للوقت لأن الزمن زمن التقنية ولن يأتي التطور إلا بركوب قطارها فهي الوسيلة الوحيدة ولا غيرها يمكنه أخذَنَا إلى المقدمة. * لا أشك أبداً أن أحداً يجادل في تطور اليابان كدولة فهي دولة صناعية بكل اقتدار وواحدة من أهم دول العالم الصناعية ومع ذلك فالمجتمع الياباني إلى يومنا هذا وفي جوانب كثيرة من حياته اليومية الخاصة إنما هو مجتمع تقليدي بحت حتى يخيل إليك أنه يعيش أيام الشوجن والساموراي.. فاحترام العائلة وتقاليدها يسيطر على معظم الأسر اليابانية وبعض التقاليد والأعراف القديمة باقية كما هي منها ترتيب الزهور وتقديم الشاهي والنوم على الأرض في فنادق تقليدية فاخرة والأكل بالطريقة التقليدية ولبس الكيمون للنساء في الحفلات وخاصة للعروس وغيرها كثير جداً. * مثال صارخ آخر يعرفه كل من يتعامل مع الفكر والثقافة وهو الصراع، نعم وليس التنافس، ما بين الثقافة الفرنسية المتمثلة في الفرانكفونية، والإنجليزية - الأمريكية، المتمثلة في الأنجلوساكسونية، ولا أظن أحداً لا يذكر المعارضة الفرنسية القوية لإنشاء مدينة ديزني الأمريكية بالقرب من باريس لأن كثيراً من الفرنسيين رأوا فيها اقتحامًا لخصوصيتهم الثقافية وسعيًا من الآخر إلى فرض هيمنة الأمركة كنمط ثقافي متفوق. * الاهتمام بمكونات الهوية الذاتية وطنية أو قومية هو في رعاية مؤسسات مكوناتها من مثل المعارض والمهرجانات وتدريسها في كل مراحل التعليم بما فيها الجامعي وليس عيباً أبداً ولا تخلفاً إطلاقاً أن نهتم برموزنا التاريخية أو نحتفي بالأدب وأهله كما أنه ليس تخلفاً أو عدم عصرنة أو معيق للتطور، بل العكس هو الصحيح لأن الذات الواثقة من نفسها والمتصالحة معها تستطيع الإبداع والإجادة في كل المجالات لأنها تقف على أرضية صلبة وراسخة. د. عبدالرحمن سعد العرابي فاكس: 6747590 – جدة [email protected]