من الأخطاء الشائعة، أن العمل الخيري الإسلامي مرادف للعمل الإغاثي المؤقت، أو مقصور على المساعدات العينية أو النقدية؛ التي يقدمها المحسنون لذوي الخصاصة، في أوقات الكربات، وعند اشتداد الأزمات. وهذا الفهم خاطئ، بالرغم من أن الإغاثة والمساعدة العينية والنقدية للمحتاجين، من العجزة أو المأزومين والملهوفين، هي من أهداف العمل الخيري الإسلامي، ولكن للخير في المرجعية الإسلامية مقاصد أخرى، أعم وأشمل، وأكثر تأثيرًا في الحياة الاجتماعية. إذا سلكنا مسالك استنباط المقاصد العامة للشريعة؛ التي قررها المقاصديون، بحثًا عن موقع العمل الخيري من هذه المقاصد، فسنجد أن العمل الخيري مقصد عام وثابت، من مقاصد الشريعة؛ بدلالة كثرة الأمر به، والحض عليه، ومدح فاعليه، والتحذير من مناوئيه، في كثير من آيات الكتاب العزيز، وأحاديث النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وقد ورد لفظ الخير 180 مرة، في القرآن الكريم. وورد لفظ “أخيار”، و“خيرات”، و“خيرة” 8 مرات، في سياقات متنوعة، تربط “الخير” بجوانب أساسية من الحياة المدنية؛ التي يعيشها الناس، وفي مقدمتها: العلم، والعمل، والكفاءة والقدرة، والعدالة، والأمانة، والإنفاق، كما ورد في بعض الحالات ضمن سياقات (أقل عددًا)، تربطه بالحياة الآخرة. وغير ذلك من المناسبات الأخرى؛ التي يفيد اطراد ورود الأمر بعمل الخير فيها، والحض عليه، والثناء على من يقومون به، أن “العمل الخيري” مقصد عام - وثابت- من مقاصد الشريعة الغراء. وليس العمل الخيري مقصدًا عامًّا وثابتًا للشريعة فقط، وإنما له مقاصد تابعة أخرى، تتمثل في توكيد الحرية، وتعزيز التمدين، وإعمار الأرض، وترسيخ السلم الأهلي، ومحاربة الفقر، والإسهام في بناء المجال العام، والمشاركة الإيجابية. إن عمل الخير يطرح في النفس الارتياح والطمأنينة، ويطرح في المجتمع الاستقرار والسكينة، ويجعله مهيئًا لعيشة هنيئة، ولحياة أفضل، ويجعله مكانًا يسمح للناس بالإبداع والابتكار، والقيام بالمبادرات التي تستهدف تحسين نوعية الحياة، والتغلب على مشكلاتها، والإسهام في سعادة أهلها. ويرتبط العمل الخيري الإسلامي بمفهوم الحرية، بأوثق رباط؛ فالعمل الخيري عندما يكون عطاءً بلا مقابل مادي، هو تحرير للنفس، إما من قيد الأثرة وحب التملك، وإما من قيود الآثام واجتراح الخطايا، وإما من قيد الكبر، واستعلاء النفس على الآخرين، ممن يشاركونها الانتماء إلى أصل واحد “كلكم لآدم، وآدم من تراب”.