عصمة سيدي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- شاملة عامة، ففي تحمله للرسالة هو معصوم أن ينسى منها شيئًا أو يترك التبليغ له، لذا قال ربنا عز وجل في محكم كتابه: “سنقرئك فلا تنسى” وقال: “لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه”، وهو معصوم في التبليغ فربنا أمره بذلك فقال: “يا أيها الرسول بلغ ما أُنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته”، ويعبر عن استحالة تركه التبليغ فيقول: “ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين”، وهو معصوم من الناس أن يضروه بقتل أو سحر أو ما شابه ذلك فالله يقول له: “والله يعصمك من الناس”، وقد عصمه الله من الشيطان الذي يحض على كل الشرور، ففي الصحيح عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن، قالوا، وإياك، قال: وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير”، ومذهب أهل السنة أن الرسل والأنبياء معصومون من ارتكاب الكبائر، كما أنهم معصومون من ارتكاب الصغائر، فما بالك بالاصرار عليها، الذي ينقلها إلى أن تكون كبيرة، ذلك أن إتيان المعاصي يتنافى مع الكمال الموهوب لهم بالرسالة، ويتنافى مع التأسي بهم والاقتداء، فكيف يكون للناس قدوة من يأمرهم بأمر فلا يأتيه، أو ينهاهم عن أمر ويأتيه، والرسل هم قمة الكمال البشري، ويترتب على بعثهم برسالات الله أن تكون لهم العصمة في كل ما يمكن أن ينتقصوا به، فهم معصومون من الكذب ومن كل خلق ردئ، ومن لوازم هذه العصمة وجوب الاعتقاد بعلو فطرتهم وصحة عقولهم، وصدقهم في أقوالهم وأمانتهم في تبليغ ما عهد إليهم أن يبلغوه، كما أن من لوازمها سلامة أبدانهم مما تنبوا عنه الأبصار، وتنفر منه الأذواق السليمة، فلا يتصور إذن وقوع الخطأ منهم أو المعصية، ومن ثم فما يزعمه الأخ سليمان الجبيلان ويتداوله الناس عنه، ويزعم أنه ينقله عن أحد العلماء الذي بزعمه أنه سئل عم جاء في خطبة الحاجة التي علمها سيدي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لأصحابه ونصه» ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا» هل يعني ذلك أن في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شرًا فقال: «نعم قد يكون فيه شر فأعانه الله فانقلب الشر الذي فيه إلى خير» أقول: فهذا الزعم الباطل لا يصح أن يتفوه به عالم، وعذرًا سيدي رسول الله فما عرف قدرك من قال هذا، فما فيك إلا الخير ولم تأت بسواه، فأنت الرحمة المهداة، الحريص على المؤمنين الرؤوف الرحيم بهم، فكيف يتصور ذو عقل أن يكون فيك شر، وأنت من أرسلت لتحاربه وتنزعه من النفوس، بالهدى الذي بعثك الله به إلى الخلق مبشرًا ونذيرًا، فهذا القول الفج يناقض العصمة التي جعلها الله لك، وفيه إساءة بالغة لمقامك، يؤاخذ عليه بأشد العقوبة من تجرأ فنطق به، ولم نعلم أن الأخ سليمان الجبيلان من أهل العلم، ولعله لا يعرف عن نفسه شيء من هذا، ولعله إنما ظن أن العلم يدرك باختطاف كلمة أو عبارة من مجلس عالم واعظ، فما علمنا أنه طلب العلم على أصول الطلب المرعية، فما أجيز بعلم من عالم معتبر، ولا أظنه درس العلم الشرعي في معاهده وكلياته المعترف بها، فكيف يسمح لمثله بالحديث في مسائل العلم الدقيقة، وهو يجهل الضروريات التي تدرك من العلم الشرعي لكل طالب علم بدهيًا، ورحم الله الزميل الصديق الشيخ الدكتور عويد بن عياد المطرفي، الأستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة ورئيس قسم القضاء في كلية الشريعة والدراسات الاسلامية ووكيلها ووكيل الدراسات العليا والبحث العلمي سابقًا، فقد شعر أن بعض من ساء فهمه قد يحمل آيات من القرآن الكريم فيها عتاب لسيدي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ما لا تحتمله، فيدفعه ذلك إلى انتقاصه -عليه الصلاة والسلام- فألف كتابه الشهير «آيات عتاب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في ضوء العصمة والاجتهاد»، فذب رحمه الله عن رسول الله كل فهم سيئ كهذا الفهم الذي جعل دعاء علمنا إياه رسول الله - عليه الصلاة والسلام - سببًا أن يقول: إن فيه شرا وحاشاه ذلك، ولا يسرع أحد الفهم للدعاء على هذه الصورة المغلوطة إلا كان فيه جفاء طبع، لا يستقيم معه أن يعرف لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مقامه العظيم، وما يجب له من التوقير، فيحرص كل الحرص على ألا يتكلم بأي كلمة فيها انتقاص لسيد الخلق المختار، أو يتطوع بأن ينقلها عن آخر أيًا كان مقامه أواعتقاد الناس فيه، فإن كان يغضبنا أن يسيء غير المسلم إلى نبينا - عليه الصلاة والسلام- فلا يجب أن نسمح لمن جهل قدره من المسلمين أن يسيء إليه، حتى ولو كانت الإساءة غير متعمدة كما قد يزعم، عصمني الله وإياكم من الإساءة للحبيب المصطفى إنه سميع مجيب.