عبر الاستناد إلى بعض الآيات القرآنية، قمتُ في الجزء الأول بتفنيد دعاوى القائلين بتبني الإسلام مبدأ التمييز بين الجنسين. الآيات التي أوردتها ضمن مقالي الأول كانت تحمل عناوين عريضة، ومبادئ عامة فحسب. لكن القرآن لم يقتصر في محاربته لمبدأ التمييز بين الجنسين على هذا الأسلوب، بل اعتمد أيضًا على أسلوب تسليط الضوء على النماذج النسائية الخالدة التي ورد ذكرها ضمن القصص القرآني. وبالتأكيد فإن إلقاء الضوء على الشخصيات والنماذج الإيمانية المضيئة، وتحويلها إلى رموز، هو أكثر الوسائل فاعلية لتحقيق ارتباط وجداني عميق بين جمهور المؤمنين، وبين ما تمثله تلك الشخصيات من مبادئ، وما تعكسه من رسائل. وإذا ما تجاوزنا ما جاء في السيرة النبوية الشريفة عن السيدة خديجة التي كانت صاحبة دور وجهد تأسيسي في أوائل وأصعب سنوات الدعوة، فإن القصص القرآني تطرق إلى ذكر العديد من النماذج النسائية المضيئة التي وضعها موضع القدوة للمؤمنين والمؤمنات معًا. يقول الله سبحانه: (وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابنِ لي عندك بيتًا في الجنة ونجّني من فرعون وعمله ونجّني من القوم الظالمين) التحريم. الآية تضع امرأة فرعون كنموذج للمؤمنين رجالاً كانوا أم نساء، بدليل أن عبارة (الذين آمنوا) جاءت عند الحديث عن امرأة وليس رجلاً. وهو ما ينفي وجود أية دلالة تفيد التخصيص. القرآن الكريم أورد أيضًا ذكر العديد من النساء اللاتي يتميّزن بمكانة إيمانية هي في غاية الرفعة. يقول الله تعالى: (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين) آل عمران. ويقول الله عن مريم كذلك: (ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين) التحريم. وبالإضافة إلى مريم هناك أمها التي استجاب الله دعاءها لابنتها: (فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتًا حسنًا وكفّلها زكريا كلّما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقًا قال يا مريم أنّى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) آل عمران. هذه هي شهادة القرآن في المرأة، فهل هناك قول بعد قول القرآن الكريم؟!