لعمري أن الأفكار تواجه بأفكار أصوب منها، ولا تواجه بالمنع أو الإلغاء، تلك حقيقة ثبتت جدواها في مجتمعات العالم اليوم، فحرية التعبير من أهم الحريات العامة التي إن غابت عن مجتمع إنساني، كان مجتمعًا مسلوب الإرادة موجهًا، لا قيمة للفرد فيه، ولكن حرية التعبير حتمًا لا تتناول التشويه، والتحريض على الفتن، والوقوع في أعراض الخلق وتشويه سمعتهم عمدًا، وقد ظهر قبل سنوات أفراد التاثت منهم العقول، ومرضت منهم النفوس، وحملوا لأبناء وطنهم الناجحين ومَن عملوا لخدمته مخلصين، وكانوا نجومًا في مجتمعهم، وقممًا في قدراتهم ومواهبهم، من الحسد الشيء الكثير، فأخذوا يهاجمونهم باستمرار، من أمثال الدكتور غازي القصيبي -رحمه الل- والدكتور محمد أحمد الرشيد، والدكتور خضر القرشي، ثم كل وزير إعلام ارتقى منصبه باختيار سديد من القيادة مثل الأستاذ إياد مدني، ثم الدكتور عبدالعزيز خوجة، وغيرهم من الأفذاذ كثيرون، وهؤلاء المهاجمون كانت في البدء ساحتهم الأساسية الشبكة العنكبوتية، ويستخدمون أسماء رمزية يتخفون وراءها، ثم برزوا للعلن بأسمائهم الحقيقية، وأنشأ المشهورون منهم مواقع لهم على الشبكة، وقنوات تلفزيونية فضائية، وأخذوا يجاهرون بعداء سافر لكل مخلص في هذا الوطن، وانقلبت جرأتهم إلى وقاحة لا حدود لها، ولعل من أشير إليهم معروفون لدى العامة والخاصة بسوء أفكارهم، وعبثية سلوكهم، وأُنزِّه هذا المقال عن ذكر أسمائهم صريحة، إلاّ من اضطررنا اليوم لذكره لأن له أعوانًا في الساحة الصحفية، وهو مَن ارتد عن استقامة هدى إليها قبل سنوات، ودع فيها ساحة التطرف، وبدأ اليوم هذيانه ينتشر، يساعده على ذلك بعض الذين في الساحة الإعلامية، ممّن اتخذوا لهم مجموعات بريدية على «قوقل» يبثون من خلالها له ولمَن على شاكلته، ما لا يستطيعون نشره في المطبوعات التي ينتمون إليها، أو يعمل أحدهم في هذه الفضائيات التلفزيونية، التي أتاحت لمثل هؤلاء منابر يبثون سمومهم من خلالها، فها هو الذي نتحدث عنه يكتب هذيانًا يعنونه ب(تطورات المشروع التغريبي في السعودية) يشن فيه هجومًا على شخصيتين وطنيتين بارزتين هما: الأديب المثقف الشيخ عبدالعزيز التويجري، والدكتور غازي القصيبي -رحمهما الله-، وينسب إليهما ما يسميه كاذبًا (تأسيس مشروع تغريبي) في هذا الوطن، الذي سيظل بقيادته ورموزه الوطنية شامخًا، وتبلغ به الجرأة أن يعتبر كل خطوة لتحديث أوضاع هذا الوطن، التي حرصت الدولة عليها منذ نشأة هذا الكيان الكبير وحتى اليوم خطوة نحو التغريب بزعمه، ولا يكتفي بهذا حتى يتناول أعراض العلماء ويسمّي جلهم متصالحين مع المشروع التغريبي، الذي اخترعه، ولا وجود له سوى في مخيلته، ويعتبر كل مَن انتُقِد ممّن ينسب نفسه إليهم زورًا، ووقع في خطأ بيّن فادح من الدعاة المعارضين لتغريبه المخترع، ويهذي بأمور لا علم له بها، فالاختلاف السائغ المعتبر الذي يدل على ألا دليل قطعي في المسألة، ورأى جل الفقهاء بسببه ألاّ إنكار في المختلف فيه، اعتبره وسيلة لإباحة المختلف فيه، ولم يقل بذلك أحد على الإطلاق، ويكذِبُ مَن يقول: إن اعتبار الاختلاف ومراعاته ترقيق للدّين، وهو مصطلح غريب لا يصدر إلاّ عن مثل هذا، والرد إلى الله والرسول لا يعني الرد إلى قول أحد من الناس لا دليل عليه سوى الأوهام، من مثل ما يصنع هذا، ومَن على شاكلته، فيخترعون عبارات ينسبونها إلى من يهاجمونهم، كما يقول هذا إن مَن يهاجمهم يلحون بشدة على إنهاء بعض أحكام الشريعة حول المرأة المتعارضة مع الثقافة العربية، أو أنهم يقولون: إنه قد حان الوقت لتجاوز أحكام القرآن المختصة بالمرأة، أو يقولون: إنه في عصر الحداثة والتكنولوجيا لا تناسب المرأة الأحكام القرآنية المتحفظة في العلاقة بين الجنسين، وكلها أقوال لا يخترعها سوى صاحب هوى مريض النفس، والأدعياء دومًا هم هكذا، وما إن يظهر هذيان هذا الظالم لنفسه المتبع لهواه وما تمليه عليه نفسه الأمّارة بالسوء، حتى يبادر صحفي آخر لنشر هذيانه وتوزيعه على الناس، فلمّا خطَّأه العقلاء على ما فعل قال: (جاءتني اتصالات ورسائل عدة من أحبة يشكرون لي نشر مقالة أخي فلان الأخيرة، والحقيقة أني بثثتها ولم أقرأها)، فقد أدرك صاحبنا خطورة ما جاء فيها، بعد أن نشرها وبثها بين الناس، ولم يكتفِ بهذا حتى أثنى على صاحبها، ومثله لا يثنى عليه فقال: (لاشك أن مقالة أخينا فلان هي مقالة العام على الإطلاق لجرأتها الشديدة، فضلاً على أن اسم صاحبها كباحث رفيع أعطاها قيمة). وما أبعد القيمة عن هذا الهذيان، ونحن في هذا الوطن نسعى بكل ما نملك للحفاظ على وحدتنا الوطنية، ونقف سدًا منيعًا في وجه كل مُحرِّض على فتنة، لا يلتزم حكم الله في صون أعراض الخلق، خاصة منهم من خدموا الوطن وأخلصوا لله في خدمته حتى لقوا الله، ولم نرَ قط أقبح من هذا التطاول عليهم الذي نصت عليه هذه المقالة الرديئة، ودومًا الفاشلون هم أعداء الناجحين، ولن يضير قط مَن بلغوا القمة جدًا وعملاً مخلصًا ما يردده مَن لم ينهضوا إلى عمل قط، وصدق الشاعر حيث يقول: ومن لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر فهؤلاء هم الأولى بالعقوبة لارتكابهم جريمة القذف، لأنبل الرجال، وإن لم يردعوا عن سيئ سلوكهم بالعقوبة استطار شرهم، فهل نحن فاعلون؟! هذا ما أرجوه، والله ولي التوفيق.