إذا كانت الرياضة تمارين بدنية بها يقوى الجسم وتنمو العضلات ويصفو الذهن ، فإن الصوم رياضة روحية إضافية تجمع ما ذكر ، ويمكن شرح ذلك بإيجاز بطريقة المقارنة بين الصوم وما يستفاد منه وبين الرياضي وما يطلب منه . فالصائم الحقيقي يسمو بنفسه عن الزلات في الأقوال وفي الأفعال حتى لا يدنس صومه بخطيئة أو ذنب يفسدان عليه طاعته ، وكذلك الرياضي الناجح تراه يتحاشى ارتكاب الأخطاء بلسانه ويده ورجله ويتقبل النصح أو التنبيه أو النقد بروح سمحة أتفق الجميع على تسميتها ((الروح الرياضية)) وأية روح هذه ؟ . . إنها الروح التي نفهمها من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف ، حيث قال تعالى «أدفع بالتي هي أحسن» وقال أيضاً «وأن تعفوا أقرب للتقوى». والصائم يحرص على وقته أن يضيع سدى ، فهو يجتهد بفعل الطاعات والتقرب إلى الله عز وجل بالمزيد من صالحات الأعمال ، وهو موقن بأن الوقت الذي يمضي سوف لا يرجع ولن يفوز في النهاية إلا من جد واجتهد وأخلص لله في القول والعمل . . ومثل ذلك الرياضي في الملعب إذا لم يتحين الفرص التي يمر بها ويبذل ما في وسعه في المحاولة من هنا وهناك ولم يعط للوقت أهميته فإن وقت المباراة ينتهي ويبوء الفريق بالفشل والخسران . والصائم مقسط في سلوكه وتصرفاته ، ومثل هذا يجب أن يكون اللاعب في أي نوع من أنواع الرياضة ، وهناك ناحية مهمة تجدر الإشارة إليها وهي أن الرياضة الصباحية ضرورية جداً ولا يمكن لأحد أن ينكر أهميتها وفوائدها . . وبذلك تظهر عظمة الإسلام في هذا المجال حيث أن ديننا الحنيف يفرض علينا اليقظة الكاملة قبل طلوع الشمس لأداء صلاة الفجر التي تعتبر بحق أهم رياضة روحية وبالتالي فهي رياضة بدنية ، حيث أن الاستيقاظ المبكر يدفع من النفس الخمول والكسل ويبعث فيها الحيوية والنشاط ومن أحس في نفسه تثاقلاً عن أداء الصلاة في الفجر فعليه أن يدخل الدورة التدريبية خلال شهر رمضان ليمرن نفسه على أداء هذه الصلاة ويشعر بحلاوتها كي لا يتركها أبداً خلال أشهر العام إضافةً لباقي الصلوات ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ((ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)) . وأي رياضي ذلك الذي يتسحر ويملأ معدته وينام ؟ . . إن هذا ما يسبب التخمة والسمنة وبعض الطعام يحترق ببطء شديد مما يسبب مع الأيام العديد من الأمراض . . وثمة جانب آخر نستفيده من شهر رمضان إلا أنه الصبر ، قال النبي صلى الله عليه وسلم عن شهر الصوم ((وهو شهر الصبر ، والصبر ثوابه الجنة)) ومن منّا في هذه الحياة لا يحتاج إلى الصبر . . وفي مجال الرياضة ترى الرياضي بأمس الحاجة إلى أن يتسلح بالصبر أياً كانت رياضته سواء في المصارعة أو الملاكمة أو ألعاب القوى ورياضات الدفاع عن النفس والكرة بأنواعها وغيرها كثير. فما أجمل الصوم وما أعظم فوائده وما أسمى ما يدعونا إليه كي نكون من الصابرين ، وكل رياضي لا يتحلّى بالصبر فليس له إلا الهزيمة والعقاب . . ومن المعلوم أن الرياضة بأنواعها تؤدى إما على حلبة أو فوق أرض ملعب أو في صالات معينة أو غير ذلك وفي وقت محدد الزمن . . وفي كل ما تقدم تحصل المنافسة بغية الفوز والغلبة . . وكذلك شهر الصيام فإنه فترة زمنية محددة يتسابق فيها الصائمون لطاعة ربهم ، وقد طلب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم منهم ذلك وقال ما معناه ((ينظر الله إلى تنافسكم فيه فأروا الله من أنفسكم خيراً)) . وخلاصة القول فإن الصوم رياضة للأرواح ، وتهذيب للسلوك ، وصحةً للأبدان ، وطهارة من الذنوب ، وشفاء من مرض الشح والبخل ، وعبادةً خالصة لله رب العالمين ، وسمو بالنفس إلى الملأ الأعلى ، وإحساس بشعور الآخرين من الفقراء والمحتاجين ، وتنازل مؤقت عن الحياة المادية ليشعر الصائم بصفاء الحياة الروحية ، وصدق الله العظيم حيث قال « يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون».