تعتري المسلم عوارض المرض والسقم والضعف والعجز، الأمر الذي يشق معه صوم رمضان مشقة ظاهرة، ونظرًا لأن شريعتنا هي شريعة التيسير فقد جاءت عدة نصوص في القرآن والسنة مرخصة للمريض بالإفطار في رمضان إلى أن تزول عنه عوارض المرض، قال تعالى: “فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر (...) ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر، يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر”. وقد أجمع العلماء على جواز إفطار رمضان للمريض إذا كان الصوم يسبب له مشقة ظاهرة أو يزيد في مرضه أو يؤخر شفاءه، أما المرض الذي لا يشق على الصائم ولا يزيده الصوم ولا يؤخر شفاءه فلا يؤثر في وجوب الصوم، ثم إذا شفاه الله وزال مرضه فإنه يجب عليه أن يقضي الأيام التي أفطرها، وهذا الوجوب وجوب موسع بمعنى أنه يجوز له أن يقضي تلك الأيام في أي أيام السنة شاء، ولا يلزم أن يقضيها فورا؛ لأنه معذور بفطره، ودليل ذلك قوله تعالى: “فعدة من أيام أخر”، ومن المهم ألا يؤخر المريض قضاء ما أفطره من أيام رمضان إلى أن يأتي رمضان آخر، وقد استدل أولئك العلماء بحديث عائشة قالت: كان يكون عليّ الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، الشغل من رسول الله أو برسول الله، رواه البخاري ومسلم، فإن أخر القضاء حتى دخل رمضان آخر فقد رأى بعض العلماء كالمالكية والشافعية والحنابلة -إضافة إلى القضاء- إطعام مسكين عن كل يوم مستشهدين بآثار عن بعض الصحابة، فإن أخر القضاء سنتين فإنه يطعم عن كل يوم مسكينين وهكذا، وفي الوقت نفسه رأى بعض العلماء كالحنفية وجوب القضاء فقط مهما أخر المريض قضاء ما فاته من الأيام مستشهدين بآثار أخرى عن بعض الصحابة، والأمر فيه واسع إن شاء الله، وطرق الاحتياط لا تخفى، والمهم ألا يتراخى القضاء وتتراكم الأيام تلو الأيام. فإن كان المرض الذي يشق معه الصيام مستمرا لا يزول حسب تقرير الأطباء -وهو الذي يصفه الفقهاء الأقدمون بالمرض الذي لا يرجى برؤه-، أو بلغ الصائم سن الهرم والكبر وتعذر عليه الصوم، فإن المريض والكبير في هذه الحالة يفطر، ثم يطعم عن كل يوم مسكينا بمقدار مُدٍّ من غالب طعام أهل البلد، ودليله قوله تعالى: “وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكين”، ومعنى الآية أن الذين يصعب عليهم الصيام فلا يطيقونه إلا بمشقة شديدة، فإنهم يفطرون ويطعمون، قال عبدالله بن عباس عن هذه الآية: ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة، لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان مكان كل يوم مسكينا، رواه البخاري. فإن تحمل المريض على نفسه وصام مع مرضه، فقد ترك تخفيف الله عليه ولم يأت رخصته، ومع ذلك فإن صومه صحيح، ويجزئه عن فرضه، ومن المهم التنبيه إلى أن الصوم المؤدي إلى الهلاك لا يجوز للصائم؛ لأنه لا يجوز للمسلم أن يضر نفسه أو يضر غيره، فقد قال رسول الله: “لا ضرر ولا ضرار” رواه مالك وأحمد وابن ماجة.