ما إن تدخل المسجد الحرام بعد صلاة العصر هذه الأيام للبحث عن موقع مناسب لأداء صلاتي المغرب والعشاء والتراويح إلا وتفاجأ بعشرات بل مئات المواقع المحجوزة أمامك لأشخاص بعضهم قد لا يأتي إلا عند إقامة الصلاة، وعبثًا تحاول إقناع العامل الذي يتولى حجز هذه المواقع بإعطائك فرصة الجلوس، لأنه فى الغالب مكلف بحجز المكان وعدم التفريط فيه مهما كانت الأسباب. وكانت ظاهرة الحجز تزداد فى العشر الأواخر من رمضان عادة، غير أنها أصبحت منتشرة في السنوات الأخيرة منذ بداية الشهر، وهناك من يقولون إن الذين يحجزون يقومون بتأجير المواقع مقابل مبلغ مادي لا يتجاوز مئة ريال لليوم الواحد، لكن الحقيقة ومن خلال معايشتي لما يدور داخل المسجد الحرام أقول إن الأمر مبالغ فيه (حكاية تأجير المواقع للصلاة)، ولكن بعضا ممن اعتادوا التزام مواقع معينة في المسجد الحرام، خاصة في صحن المطاف والأروقة والسطح يأتون بمجموعة من العمالة التي تعمل في إعداد إفطار الصائمين داخل الحرم أو السائقين أو خدم المنازل لحجز مواقع مناسبة لهم، والبعض لا يأتي إلا متأخرًا وحال وصوله يقوم هذا العامل وقد يصلي في الساحات في حال وصل من حجز له المكان والحقيقة هذا المشهد يتكرر يوميًا بل وعلى مدار الساعة داخل المسجد الحرام. وفي المقابل تبذل الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي جهودًا مقدرة من خلال لجان ميدانية لمنع حجز الأماكن داخل المسجد الحرام. والملاحظ أن عمل اللجان يقتصر على فترة بين العصر والمغرب وبين المغرب والعشاء، وأكثر العاملين فى هذه اللجان من الموظفين المؤقتين الذين لا يملكون الخبرة الكافية للتعامل مع المواقف، خاصة وأن بعض الأبرياء كانوا ضحية هذه اللجان، وحرموا بالتالي من أداء الصلاة مع الجماعة بعد القبض عليهم وإحالتهم للجهات الأمنية المختصة. استغلال الصدقات لمصالح شخصية وطالب عدد من الزوار والمعتمرين والمصلين تحدثوا ل “المدينة” بوضع حلول عاجلة لظاهرة حجز الأماكن بالمسجد الحرام. وأكد الدكتورحمزة عبدالله عقيل وكيل كلية التربية بجامعة أم القرى أن ظاهرة حجز الأماكن فى الحرم ملحوظة لدى الجميع منذ قرابة العقدين، لكن كانت محصورة في مواقع معينة مثل مقدمة صحن المطاف ومقدمة الأروقة، لكن في السنوات الأخيرة أصبح كثير ممن يحبون أداء الصلاة في الصفوف الأمامية بالمسجد الحرام تجدهم أشد حرصًا على وضع أشخاص يتواجدون في الحرم على مدار الساعة ولا عمل لديهم سوى الاعتماد على ما يأتيهم من حسنات المحسنين، وبالتالي يعتبرون حجز موقع مناسب لبعض ميسوري الحال من باب المجاملة لهم وإرضائهم حتى تكون المكافأة مجزية نهاية رمضان، ومع الأسف بعض الناس يستغلون الصدقات لمصالحهم الشخصية، وأعتقد أن على الرئاسة مسؤولية كبيرة فى الحد من هذه الظاهرة ولعل دور التوعية مهم للناس أن الصلاة في أي مكان فى الحرم لها أجر المضاعفة إلى مئة ألف، وليس الأمر لا بد من صحن المطاف أو الأروقة. وقال عقيل: إن الصلاة التى فيها شيء من الرياء وحب السمعة قد تنقص أجر الشخص، وهو لا يدرى فعلى الجميع أن يحرصوا على اختيار الأماكن التي تحقق لهم الخشوع في صلاتهم. ظاهرة مزعجة وقال المهندس نبيل عبدالرحمن قطب مدير عام الخدمات والصيانة بالمسجد الحرام أن ظاهرة حجز الأماكن مزعجة للمصلين، وهى تبرز مظاهر غير حضارية أمام الزوار والمعتمرين؛ فالواجب على الجميع مواطنين ومقيمين رسم صورة حسنة عن هذه البقعة الطاهرة التي يدخل فيها الجميع من أجل العبادة وهم سواسية لا فرق بين هذا وذاك. وعن قضية تأجير الأماكن قال: هناك حجز بالتأكيد لكنى أستبعد أن يكون هناك أشخاص يتقصدون حجز الأماكن لتأجيرها وإذا حدث ذلك فالجهات المسؤولة فى الحرم تقف لهم بالمرصاد وتعاقبهم. التوعية والمراقبة من جانبه أكد الشيخ محمد بن حمد العساف وكيل الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوى المساعد للشؤون الادارية أن الرئاسة تعمل على محاربة هذه الظاهرة التي تتمثل في قيام بعض المصلين بتخصيص مجموعة من الاشخاص لحجز أماكن للصلاة في المسجد الحرام بمقابل مادي والرئاسة تمنع ذلك وتكثف جهودها من خلال عدة محاور أبرزها التوعية باصدار المطويات التوعوية والصحف، وأيضا من خلال موقع الرئاسة على الانترنت وتبين لهم عدم جواز ذلك وأن من أراد الصفوف الاولى عليه الحضور مبكرا، وقد قال أهل العلم أن السنة أن يتقدم الرجل بنفسه وأما من يتقدم بسجادة فهو ظلم ينهى عنه ويجب رفع تلك السجاجيد ويمكّن الناس من مكانها. وقال العساف إن الرئاسة تقوم بتعيين عدد من المواطنين خلال موسم رمضان يصل عددهم إلى ثلاثين موظفا موسميا لعمل جولات مستمرة ومصادرة السجادات، التي يستخدمها البعض في حجز الأماكن، وإذا كان من المواطنين تصادر السجادات التي يتم بواسطتها حجز اماكن للصلاة، وفي نهاية الموسم تسلم السجاجيد للجمعيات الخيرية ويتم تسليم الاشخاص الذين يقومون بحجز أماكن من غير المواطنين للجهات الأمنية. ويوجد تعاون وتنسيق مستمر مع قوة أمن الحرم والجهات الامنية الأخرى للقضاء على هذه الظاهرة ونعوّل دائما على ارتفاع درجة الوعي للقضاء على هذه الظاهرة.