تحتفظ الذاكرة الإسلامية بصفحات مشرقة من التاريخ سطرت الامجاد والانتصارات بدماء الشهداء منذ صدر الاسلام حتى يومنا هذا وهناك عدة دروس مستفادة من تلك الانتصارات التي ارتكزت على قوة الايمان وصلابة المقاتل وحنكة القائد والمتأمل في تاريخ الغزوات الاسلامية خاصة تلك التي قادها الرسول صلى الله عليه وسلم ومنها معركة بدر الكبرى يدرك ان عوامل النصر في حياة المسلمين تمثلت في العقيدة القوية والايمان اضافة الى عناصر الصبر والثبات والتخطيط المحكم للمعارك. في البدء تحدث الدكتور محمد عبده يماني عن هذه العبر والدروس قائلاً: الآيات تلقي أعظم العبر والدروس وتستعرض خروج النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه إلى بدر، وما جرى قبل المعركة وخلالها وبعدها، حتى إذا استوعب المسلمون تلك الدروس والعبر، وتلقوا وحي الله بآذان مرهفة، وقلوب خاشعة، فازدادت نفوسهم إيمانًا، وقلوبهم من الله حياءً وشكرًا، وأحاطت آيات الله بكل صغيرة وكبيرة من أحداث المعركة لتكون دروسًا وعبرًا للمسلمين في التوكل على الله، والتسليم بقضاء الله وقدره. من جهته قال الشيخ الدكتور إبراهيم سليمان الهويمل: إن أول معركة في الإسلام قادها الرسول صلى الله عليه وسلم، وانتصر فيها المسلمون على صناديد الكفر، ولو تأمّلنا هذه المعركة وما فيها من الدروس والعبر من الالتجاء إلى الله عز وجل، وذلك لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان يدعو الله عز وجل حتى سقط رداءه، وما كان فيها من كثرة ذكر الله عزوجل، وما كان فيها من السمع للرسول صلى الله عليه وسلم والله، لو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك، وما كان فيها من أمر الاستشارة، لقد استشار الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه، إلى غير ذلك من الأعمال والدروس والعبر، وكذلك ما حدث فيها من ذكر الله، وإنزال المطر، وتغشيتهم للنعاس، كل ذلك يعطي المسلم دروسًا عظيمة من هذه الغزوة العظيمة، غزوة بدر الكبرى. من جانبة قال الدكتور محمد موسى الشريف أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبدالعزيز: إن معركة بدر مليئة بالعبر والعظات، ومن هذه العبر التي حصلت هو الموقف الذي ذكرة عبدالرحمن بن عوف قال: نظرت عن يميني وعن شمالي يوم بدر، فإذا أنا بين شابين حديثي السن، فتمنيتُ أن أكون أضلع منهما -أي اقوى منهما- فالتفت إليّ أحدهما وقال: يا عم أرني أبا جهل! فقلت له: ماذا تصنع به يا ابن أخي؟ قال: علمت أنه كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولقد عاهدتُ الله تعالى لئن لقيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا. فعلم عبدالرحمن بن عوف أنه بين أسدين، فلما رأيت أبا جهل أريتهما إيّاه فانقضا عليه كالصقر، وقتلاه. وهنا ننظر كيف كانت تربية هؤلاء الشباب الصغار، وكيف كانوا يربون على القوة والعزة والمجد والشجاعة، فنحن بحاجة إلى هذه المواقف، ومن هذا أيضًا أن أحدهما قال: رأني عكرمة -آنذاك- قبل أن يسلم فضربني ضربة بالسيف على عاتقي، فبقيت يدي معلقة في جلدي، فقاتلت بها عامة نهاري، وهذا موقف عظيم تحمّله هذا الشاب الذي قام بتحمّل هذا الألم وهو فتى صغير. وأضاف الشريف: إننا بحاجة إلى أن نربي أبناءنا على الشجاعة، مشيرًا إلى أن الدرس الآخر في هذه المعركة هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم استشار الناس لمّا علم أن القافلة فاتته وأن أبا جهل خارج لقتاله، وكان يملك صلى الله عليه وسلم أن يأمرهم، وفي هذا أمران مهمان أولهما هو أهمية الشورى، وأنها جزء مهم من النظام الإسلامي، والآخر هو الوفاء لأن النبي الكريم عاهد الانصار أن يمنعوه في المدينة، لا أن يمنعوه خارجها، وهذا فيه وفاء كبير للأنصار، واستجابة للعهد الذي قطعوه معه، وكذلك ما جرى مع حباب بن المنذر، واختار مكانًا قال يا رسول الله: أهذا مكان أنزلكه الله إيّاه أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال الرسول الكريم: بل هو الرأي والحرب والكيدة. فأشار على الرسول بمنزل آخر، وهذا يفيد بأهمية الشورى في حياتنا حكامًا ومحكومين، وكيف ينبغي أن نستشير دومًا، والموقف الآخر في هذه المعركة هو موقف النبي صلى الله عليه وسلم عندما تأكد بعد إجراء الشورى من النصر، حتى قال: سيروا وابشروا.. فوالله لكأنني أنظر إلى مصارع القوم. وبات ليلتة داعيًا منكسرًا ومتضرعًا، وقد أطال الدعاء حتى سقط رداؤه الشريف، وهذا يبين أهمية التضرع والانكسار بين يديه تعالى خاصة في الازمات والمشكلات. وأشار الشريف إلى أن هناك أمرًا آخر في هذه المعركة، وهو كيف أنزل الله الملائكة في غزوة بدر، فالمسلمون عندما فرغوا من تقديم ما عندهم أكرمهم الله تعالى بإنزال الملائكة، وهذا مصداق لقوله تعالى: (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة)، فالمسلم مطالب بإعداد ما يستطيع من قوة.