• فقد الوطن برحيل معالي الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- راية من راياته وقامة نادرة في تأهيله وتشكيله وأدائه. • رحل صديق العمر غازي إلى الفردوس الأعلى بإذن الله ووطننا أشد ما يكون حاجة إليه خبرة مذهلة، وعقلًا راجحًا، وقلما مبدعًا، ورأيًا سديدًا! • ولذا فلا عجب إذا قلت إن الوطن الغالي برمته يعزى فيه، مثلما يعزى آله وأقرانه والمقربون إليه، فإنا لله وإنا إليه راجعون! • اليوم، أخاطب غازي مباشرة عبر منبر الوجدان المترع بالحب له، والحزن عليه، فأقول: • برحيلك يا غازي فقد الشعر أغلى قوافيه! • برحيلك يا غازي تيتم الحرف، وترملت القصيدة، وشهق الإبداع حزنًا وكأنه يقول للناس أجمعين، أين صنوي؟! أين رفيقي؟! • برحيلك يا غازي.. توقفت البلابل عن التغريد.. لأنك كنت ملهمها وعاشقها ومحاكيها.. شعرًا ونثرًا! • وبرحيلك يا غازي انفض سامر رفاقك ومحبيك ومريديك.. بعد أن كنت نجمهم المشرق تنثر على أسماعهم قلائد من العلم والحكمة والقول السديد! • نعم.. يا غازي.. • يا رفيق دربي الذي كان، ويا شريك الأمس والذكرى وما بقي لي من يوم وغد! • لن تنطفئ بإذن الله شعلة ذكراك في خاطري المكلوم بفقدك، لأنك كنت وقودها الذي لا يجف له نبع، وفجرها.. الذي لا يغيب له سحر! • نعم.. يا غازي.. • كنت نجمًا يشغل الأسماع والأبصار والحناجر تغريدًا بحب الوطن، فأحبك الوطن.. وأحبك أهله عن قرب وعن بعد سواء. • قبل عشرين عامًا، وقفت بشجاعة نادرة (في عين العاصفة) تدافع عن الشرف المسلوب في الكويت الغالي على يد جيران الشمال، كنت ترسل من حروفك كل يوم شهبًا من نور ونار تدفع بهما الظلم الذي نال الأشقاء، وتدافع عن حقهم المقدس في الحرية والسيادة والاستقلال، لم تقف أمام ذلك الإعصار المارد خائفًا ولا معتذرًا أو مبررًا، واندحر الإعصار مهزومًا بلا رجعة، وعاد سيف الحق إلى غمده منتصرًا! • ثم عدت إلى بلادك من جديد لتستأنف مشوارك التنموي الطويل وقد خضت من قبل أكثر من معركة في هذا السبيل، صناعة وكهرباء وصحة، وكانت (أم المعارك) التنموية وأقساها حملًا وأبلغها أرقًا في مشوارك الجديد، مسألة (سعودة) وظائف القطاع الخاص لصالح ابن الوطن كي يشارك في صنع التنمية بدلًا من الانكفاء متفرجًا عليها أو مستهلكًا لها! صنعت بأقوالك وأفعالك من (السعودة) قضية يسهر الخلق جراها ويختصمون، وتحقق لابن الوطن الكثير من المكاسب، ما ظهر منها وما بطن! بعد أن كان الحديث عنه لا يجاوز الأحلام! وبعد.. • فلن أبكي غيابك يا غازي بعد اليوم إكرامًا لذكراك؛ لأن الدمع لا يليق بقامة (بطل) مثلك! • سأنضم إلى قوافل المحبين الداعين لك بالرحمة والرأفة والغفران في كل أرجاء هذا الوطن الغالي يتقدمهم (الطفل المعاق) الذي كنت يومًا صاحب المبادرة الإنسانية الأولى يشاركك في ذلك ثلة مباركة من أهل الخير، لإخراجه من ظلمات الجهل أو التجاهل إلى نور الرجاء والحياة السوية! • سأنادي بصوت الوجدان أن تتحول سيرتك الإنسانية والإدارية والإبداعية العطرة إلى أسفارٍ من الحكمة والعبرة والفعل السديد يتمثلها جيلنا الشاب ويقتدي بها قولًا وعملًا! • إنا لله وإنا إليه راجعون.