كل المآذن تصدح مناراتها بترتيل آيات القرآن الكريم في رمضان. كل المساجد تمتلئ بالتسبيح والتكبير. كل المساجد تصافح جباه الساجدين إلاّ مساجد القدس الشريف التي تتعرّض لتهويد سريع على مرأى ومسمع من العالم الإسلامي، العاجز حتّى عن كلمة استنكار، وإن كانت لا تُجدي فتيلاً. لسان المسجد الأقصى جعلته إسرائيل خلف قضبان السجن، هناك كبّلت الشيخ رائد صلاح الذي جعل المسجد الأقصى همّه وقضيته، ويبدو أن إسرائيل تريد خلال الشهور الستة التي حكمت عليه بأن يكون وراء القضبان أن تسارع في تهويد المدينة المقدسة، فكل الألسن صامتة، وكل مفاوض لا يذكر على لسانه القدس، ومسجدها المقدس، وكأنها ليست هي أساس المشكلة. على بعد (300) متر فقط من المسجد الأقصى استولى مستوطنون يهود على عمارة سكنية، بحماية مكثفة من الشرطة الإسرائيلية، حطّموا الأبواب، انتهزوا فرصة خروج بعض الأسر إلى مناسبات، وأبعدوا بقية الأسر الاثنتي عشرة، كل ذلك من أجل تحويل هذه العمارة بدوريها إلى مدرسة تلمودية تطل على المسجد الأقصى، ولا وجل من أي كائن كان. إنه منظر لا إنسانية فيه، وشاشات التلفاز تعرض الجرافات الإسرائيلية وهي تجرف قبور الموتى في مقبرة (مأمن الله) التي لا تبعد عن المسجد الأقصى؛ لتبني فيها متحفًا يهوديًّا، غير عابئة بحرمة أموات يرقدون في قبورهم من أكثر من خمسة عشر قرنًا، وغير عابئة بالفلسطينيين الذين تجمهروا استنكارًا لجرف قبور أهلهم أمام أعينهم، ومقابل ذلك قامت إسرائيل بترميم المقبرة اليهودية في بيت المقدس، ولله عظمة الإسلام حين لم يمنع اليهود من دفن موتاهم في مقبرتهم، لأن الإسلام يحترم النفس الإنسانية أنّى كان دينها، أمّا اليهود فلا حرمة لنفوس الغوييم (غير اليهود)، إنها العنصرية بكل ما تحويه الكلمة، ولكن أين العالم الذي يتشدّق بالإنسانية ما لم تُهدر حقوقها من إسرائيل، فعند ذلك يصفق للقاتل، ويلوم المقتول، ويسكت عن نابش القبور، ويلوم العظام الرميم. عشرات البيوت الفلسطينية في القدس أُزيلت، وعشرات البيوت بناها اليهود دون رادع من ضمير، أو رعاية لأي حق إنساني فلسطيني، وأي إنسانية في صدر جنود الاحتلال، وقد نشرت مواقع الإنترنت صورهم وهم يعذّبون الأسرى مفتخرين بذلك، بل يستمتعون بالتعذيب. القدس جريح، ومآذنه لا تؤذّن بل تصيح، ولكن لا يأس، فالحق سيعلو يومًا من الأيام، فكل هذا الظلم ليس له سند إلاّ حبل من القُوى التي تتحدث كثيرًا عن حقوق الإنسان، إلاّ الإنسان الفلسطيني الذي يحرم من العيش على أرضه، بل من وصول الغذاء والدواء وممارسة حق العبادة، لابد لليل أن ينجلي، ولكن حين يأتي الله بقوم أولي قوة في نصرة المظلوم، فرّج الله همّ المسجد الأقصى، وهمّ الشيخ المجاهد رائد صلاح، وهمّ كل فلسطيني محاصر، أو مشرد، أو جائع، أو سُلب منه منزله، أو مُنع من الصلاة في المسجد الأقصى. فاكس: 012311053 [email protected]