في علم (الصداقة) الحقيقة كُتب الكثير، وسطر التاريخ الكثير من الأقوال الرائعة والمواقف النادرة، والعاقل هو من يثمن بصدق الخل الوفي والصديق الصدوق المبادر دائماً إلى البذل من نفسه ووقته لصديقه وخليله. والوفاء للصديق لا يُعد ضعفا أبدا حتى وإن جفا الصديق أو أخطأ أو أغلظ. ولذا يقول الرئيس الأمريكي القديم إبراهام لنكولن: (إن كانت الصداقة هي النقطة الأضعف لديك، فأنت بحق أقوى شخص في العالم). ذلك أن تقدير الصديق وإيفاءه حقه في كل الظروف يتطلب عقلية فذة ومهارة نادرة وقدرة خاصة قلما تجتمع إلا في النادرين القلائل الذين هم الأقوياء فعلا. ويصور ذلك الشاعر العربي بقوله: وما المرء إلا بإخوانه كما يقبض الكف بالمعصم ولا خير في الكف مقطوعة ولا خير في الساعد الأجذم وقال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وإن قليلاً ألف خل وصاحب وإن عدواً واحداً لكثير وقيل لخالد بن صفوان: أي إخوانك أحب إليك؟ قال: (الذي يسد خلتي، ويغفر زلتي، ويقيل عثرتي)، وقيل: (من لا يؤاخي إلا من لا عيب له فيه قل صديقه، ومن لم يرض من صديقه إلا بإيثاره على نفسه دام سخطه، ومن عاتب على كل ذنب ضاع عتبه وكثر تعبه). وقيل عن الصداقة في أسمى معانيها، أي عندما تبنى على تقوى، وتؤسس على صدق وتجرد: (ما تحاب اثنان في الله إلا كان أفضلهما عند الله أشدهما حباً لصاحبه)، وما زار أخ أخاً في الله شوقاً إليه ورغبة في لقائه إلا نادته ملائكة من ورائه: «طبت وطابت لك الجنة»، وقالوا (ليس سرور يعدل لقاء الإخوان، ولا غم يعدل فراقهم). ومع تقدم العمر، لا تبقى للعاقل الحصيف من الملذات إلا الصديق الوفي والأخ الحبيب الذي لا يمل من صديقه على القرب ولا ينساه على البعد، وتكون مودة فعله أكثر من مودة قوله. وصدق الشاعر: وما بقيت من اللذات إلا محادثة الرجال ذوي العقول وقد كنّا نعدهم قليلا فقد صاروا أقل من القليل طوبى للأصدقاء الأوفياء. [email protected]