أكثر من ثلاثة ملايين معتمر يؤمون المسجد الحرام بمكةالمكرمة؛ لأداء مناسك العمرة، وزيارة المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، وفي هذه الرحلة تتعدد الأعراق وتلتقي الثقافات وتتلاقح الأفكار وتتحد القلوب وتتلاشى الفوارق. رحلة إيمانية لأطهر البقاع يعيش المعتمر فيها عبق التاريخ ونفحات الإيمان ويستشعر أواصر الروابط الأخوية وتنصهر الفوارق في بوتقة واحدة.. وهنا نتساءل ما الذي يمكن للمسلمين أن يخرجوا به من خلال هذا التلاقي في أطهر بقعة؟ هل تجاوزت الرحلة حدود الشخصية إلى أن يتعرف المعتمر على أحوال إخوانه ومشكلاتهم لتمتد أواصر التواصل إلى ما هو أبعد من الحدود الجغرافية وتتكون الصلات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية؟ الواضح أن أغلب المعتمرين يقصرون هذه الشعيرة على جانبها الديني الصرف ويغيب عن ذهنيتهم كل الفوائد الدينية والثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، ترى كيف يمكن أن نحقق هذه الفوائد المغيبة من خلال هذا الحضور الإسلامي الكبير في مواسم العمرة. يقول حمد القاضي عضو مجلس الشورى: العمرة التي تتم طوال العام لها بعدها الديني حيث الأجر من الله تعالى ومردودها الروحي على الإنسان المسلم فهي أشبه بدورة تطوير وعودة إلى الله تعالى في رحاب البيت العتيق، أما أبعادها العامة فهي فرصة للتلاقي على المحبة والتسامح والاسهام في إعطاء صورة مشرقة ومضيئة عن سماحة الإسلام واتفاق المسلمين عندما يؤدون مناسك واحدة ويقرؤون آيات ربهم ويصلون خلف إمامهم في صفوف متراصة تحفهم السكينة والخشوع، كما أنها من جانب آخر فرصة للتعارف بين من يلتقون في رحاب بيت الله سواء كانوا مثقفين أو رجال أعمال أو دعاة أو علماء وقد ينتج عن هذا التلاقي إيجابيات في حياتهم الدنيا تعمل على تعزيز ترابطهم وتآلفهم. مركز عالمي لثقافة الأمة من جانبه يقول الدكتور صالح بن سعيد الزهراني عميد كلية اللغة العربية بجامعة أم القرى: رحلة الحج والعمرة هي رحلة الروح الوحيدة فالحاج أو المعتمر عندما ينتقل من بلده فإنه ينتقل بروحه قبل جسده، وهذا اللقاء الذي يحدث في الحرمين الشريفين حجًا وعمرة وزيارة وفي الأسواق يشكل تمازجًا ثقافيًا فريدًا من نوعه، ونحن بحاجة إلى مزيد من العمل لاستثماره بما يعود بالنفع والفائدة على الأمة قاطبة من خلال تقوية أواصر التلاحم بين أبناء الجسد الإسلامي. وهي فرصة يجب أن تستغل؛ لأن الكثير من النخب يأتون ويذهبون دون أن يعلم بهم أحد، لذلك نحن بحاجة إلى إنشاء مركز ثقافي في مكةالمكرمة يعتني بأمر النخب التي تفد لأداء المناسك للاستفادة مما لديها لتكون لدينا ثقافة أمة نابعة من مكةالمكرمة تنصهر فيها هذه الفسيفساء الثقافية لتعكس ثقافة الوسطية والاعتدال لتخرج لنا ثقافة مكةالمكرمة بهذا المزيج الثقافي الذي يشكل ثقافة الأمة. أدب الرحلات من جهته يؤكد الدكتور عبدالمحسن القحطاني رئيس مجلس إدارة نادي جدة الأدبي اختفاء أدب الرحلات الذي كنا نقرأه في كتابات الأدباء والعلماء في رحلاتهم لأداء الحج والعمرة وتحول إلى مقالة ولا شك أن أدب الرحلات يعكس ثقافة كاتبه وتستفيد منه الأجيال بما يحمله من فكر وعلم وأدب إذ إن الكاتب يصور تفاصيل الرحلة بكل دقائقها ونحن نقرأ في كتابات شكيب أرسلان عندما ارتدى ملابس الإحرام قال: تركنا كل شيء وراءنا وتوحدنا في ذهابنا لمكة ومثل هذا القول يعكس الترابط وانصهار الفوارق في هذه الرحلة الإيمانية ونجد كذلك هذا الأدب فيما كتبه المازني في أدب الرحلات وغيرهما كثير.. ولا شك أن هذه الرحلة الروحية من أهم العوامل التي تظهر للمسلمين أحوال بعضهم ليتدارسوها وتتلاقى أفكارهم بما يعكس وسطية الإسلام واعتدال منهجه القويم. منابر الرابطة وأمام المشكلات التي لا تخلو منها الأقطار الإسلامية ما الذي يمكن أن يخرج به المسلمون من اجتماعهم في موسم العمرة وقد جمعهم الهدف ونبل المقصد ووحدهم النسك وضمهم المكان؟ يقول الدكتور أحمد البناني الأستاذ بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى إن فرصة اجتماع النخب من العلماء والمثقفين على صعيد مكةالمكرمة لأداء المناسك يجب أن تستغل لتدارس المشكلات التي يواجهها المسلمون ومعرفة أحوال بعضهم البعض من خلال لقاءاتهم في مكةالمكرمة والمدينة المنورة والأماكن كافة التي يتنقلون بها طيلة فترة رحلتهم وهذا من شأنه أن يجعل الترابط فيما بينهم أقوى مع استشعار مسؤولياتهم تجاه أمتهم بشكل أكبر وأرجو أن يستغل الإخوة المعتمرون ما تنظمه رابطة العالم الإسلامي من مؤتمرات وما تقيمه من محاضرات وندوات وكذلك جامعة أم القرى ليطلع المعتمر على أهم القضايا التي تتناولها هذه المنابر ويشاركوا فيها بما لديهم من علم وثقافة.
-------------------------
الحربي: لا توجد دراسات خاصة تناقش فوائد العمرة يقول الدكتور ثامر الحربي عميد معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج بجامعة أم القرى إنه لا توجد دراسات خاصة أو أبحاث علمية تناقش فوائد العمرة معتبرًا أن هذا الموضوع رغم أهميته لم يطرق من قبل ولم يطلب من أي جهة باعتبار أن فوائد العمرة قضية ضمنية لا تختص بها مرجعية بعينها، مشيرا إلى أن المعهد يجري الدراسات والأبحاث بحسب ما يطلب منه. واوضح ان الدراسات والأبحاث كافة التي أجراها المعهد فيما يتعلق بالحج والعمرة تقوم على الإحصائيات وتوفير الخدمات والتخطيط للمشروعات مضيفًا أنه لا يمكن أن يلتقي المسلمون في مكان كما يلتقون في مكةالمكرمة من مختلف الأعمار والأجناس وهذا اللقاء يعرف بالإسلام الصحيح وقيمه التي تدعو إلى التوحد والالتفاف ونبذ الفرقة والاختلاف وهي فرصة يجب أن تستغل لتعزيز وحدة المسلمين وتوحدهم كما توحدوا في اللباس والهدف الأسمى الذي انصهرت معه الفوارق كافة لرفعة الإسلام وإعلاء شأن المسلمين الذين يبحثون مشكلاتهم على جميع الصعد من خلال لقاءاتهم في هذه البقاع الطاهرة. ويقول الدكتور عدنان الحارثي عميد شؤون المكتبات بجامعة أم القرى والباحث في التاريخ إن رحلتي الحج والعمرة لهما تأثير كبير على الثقافة الإسلامية بشكل عام بدءًا من الروابط الاجتماعية التي تقوم بين المسلمين وما يتبع ذلك من الروابط الاقتصادية، كما أن لها تأثير كبير في انتشار العلم فكثير من العلماء حصلوا على إجازاتهم العلمية أثناء رحلتهم لأداء الحج أو العمرة أو الزيارة إذ يلتقي العالم المشرقي بالعالم المغربي ويأخذ عنه إجازته في ما لديه من العلم والعكس صحيح وقد يلتقي الاثنان ليأخذا إجازتهما من مشايخ الحرمين الشريفين والمصادر التاريخية مليئة بمثل هذا. واوضح أن مكةالمكرمة كانت ملتقى الكتاب فيبحث عالم من الأندلس مثلًا عن كتاب لا يجده إلا في مكة سواء في أسواقها أو عند أصحاب المكتبات الخاصة الذين هم علماء في الأصل، وفي الجانب الآخر كان لهذه الرحلة دور في تطور وسائل الاتصال التي كان ينتقل بها الحاج أو المعتمر لأداء مناسكه فالمسلمون طوروا منظومة الطرق بين مكةالمكرمة والعالم الإسلامي وكان بها معالم تدل على ما في تلك الطرق من مواقع تحدد المسافات التي قطعوها وكذلك مواقيت تضاء لتحديد معالم الطريق مع تأمين صاحب المعونة الذي كان يتولى قضاء حوائج الناس بالإضافة لوالي الطريق.
-------------------------
أكاديميون: رحلة الحج والعمرة توحد المسلمين على المحبة والتآخي يقول الدكتور أحمد عبدالعليم عبداللطيف عضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة إن من نعم الله تعالى على أبناء الأمة الإسلامية أن شرع لهم من العبادات زيارة بيت الله الحرام بمكةالمكرمة، لأداء مناسك الحج والعمرة، وزيارة مسجد النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة للسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصلاة فيه، وقد اختصت تلك المساجد دون غيرها بكونها تشد إليها الرحال وعندما يتواجدون في تلك البقاع الطاهرة يجدون أنه لا فرق بين غنيهم وفقيرهم، وكبيرهم وصغيرهم، وعظيمهم وحقيرهم، وقويهم وضعيفهم، وأبيضهم وأسودهم، حيث توحدت قلوبهم على تعظيم الله تعالى، كما توحد لباسهم، وتوحدت قبلتهم، وهم بذلك مهما تباعدت بينهم المسافات، واختلفت الألوان واللغات، يحسون بأنهم أبناء أمة واحدة، ويشعرون بأنهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. واضاف أنهم في تلك الأماكن المقدسة يتذكرون ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكارم الأخلاق، وكيف ربى أصحابه الذين اقتدوا به واهتدوا بهديه على الأخلاق الفاضلة والمثل العليا حتى صاروا سادة الدنيا وقادتها، وكيف ارتقى بهم حتى استبدلوا العداوات التي كانت بينهم بالمحبة والتآخي، وتخلوا عن الأنانية والطمع وصاروا يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، وكيف تركوا التعالي بالأنساب والأحساب فيما بينهم إلى التفاخر بالانتساب إلى الإسلام والتزود بأعمال الإيمان، ولا شك أن تذكر الحاج والمعتمر تلك الأخلاق والصفات في تلك الأماكن تجعله يتمثلها فيخفض لأخيه جناح الذل من الرحمة، في علاقات أخوية ملؤها الود والإيثار وحب الخير، كما ان تمثله تلك الأخلاق والمثل في تلك الأماكن، بالإضافة إلى ما يلاقيه من أهلها الذين اختصهم الله بخدمة ضيوفه من ترحاب وتودد بتقديم يد العون، والتسابق في فعل الخيرات وتذليل الصعاب، غالبًا ما ينعكس على سلوكه وتصرفاته عندما يعود إلى بلده، حيث يقابل الإساءة بالإحسان، والظلم بالعفو والصفح، والجشع والطمع والأنانية بالقناعة والإيثار، والغلظة بالرأفة والرحمة، والتعالي والتكبر على الناس بالخضوع والتذلل لله وحب الفقراء والمساكين، وحب الخير وفعله، كما تقوي روابط الأخوة بينه وبين إخوته من المسلمين في سائر بقاع الأرض فتجعله يعيش أفراحهم وأتراحهم، من جهته أضاف الشيخ محمد رباني الشنقيطي إمام وخطيب الجامع الكبير بنواكشوط الموريتانية أن التقاء المسلمين بمكةالمكرمة التي انطلقت منها الرسالة المحمدية في مؤتمر سنوي في موسم الحج ومؤتمر يومي طوال العام خلال موسم العمرة يؤكد الوحدة الإسلامية وهو فرصة لتدارس أحوال المسلمين وقضاياهم ووضع الحلول الناجعة لها وبخاصة عندما يجتمعون في أجواء روحانية يستشعرون فيها فضل المكان والعبادة التي قدموا من أجلها لذلك فإنه حري بالمسلمين أن يستغلوا هذه المواسم العظيمة لتدارس أحوالهم وبخاصة في ظل وجود رابطة العالم الإسلامي في مكةالمكرمة التي تعنى بقضايا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.