تستوقفك الفكرة التي قدمها مسلسل “طاش ما طاش 17” في حلقتيه الثانية والثالثة، بعنوان “خالي بطرس”، فهي حلقة مميزة، لم تكن لتقل عن حلقة المسلسل الأولى عن المستثمر الأجنبي. حلقتا “خالي بطرس” تحكي عن أب قبل أن يموت يخبر أبناءه بأن أمهم لبنانية، وأن أخوالهم وجميع أهلها في لبنان، وبعد أن يموت الأب يذهب ولداه (حمود ومحيميد) إلى زيارة خالهما بطرس وأهلهما في لبنان. وتعود في هاتين الحلقتين شخصيتا “حمود” و”محيميد”، اللتان عُرف بهما ناصر القصبي وعبدالله السدحان في كثير من الحلقات والأجزاء السابقة للمسلسل، واختيار هاتين الشخصيتين قريب مما يرد في المسلسل من أحداث، ومواقف تجعلهما في حالة استغراب دائم، وحيرة، وتردد، وبداية تلك المواقف من وصولهما إلى لبنان. وجسّد المسلسل في فكرته العامة جزءا من تعايش الأديان السماوية، فقد كان خالهم بطرس “قسّيس” في الكنسية وعلى الديانة النصرانية، وهو ما دفع “حمود ومحيميد” عند معرفتهما بهذا أن يهربا من بيت خالهما في الليل ولكنه اكتشف ذلك وفاجأهم بأن أعطاهم ذهب ومجوهرات أمهم التي ماتت منذ 30 سنة، وقال لهم بأن هذه أمانة وكان لابد أن تعود لهما. ويستمر الحديث في المسلسل عن هذا التعايش عندما زاروا مزرعة عائلة خالهما وكان العامل الذي فيها على الإسلام، ولم يمانع خالهم بطرس من ذهابه لصلاة العصر عندما طلب منه العامل ذلك بل أعطى لابنته الصغيرة التي كانت تصحبه جزءًا من المال. وفي المقابل كانت حالة “التعايش” من قبل “حمود” و”محيميد” أيضاً بالمثل، حينما حضروا زواجاً في الكنيسة باركه خالهم بطرس (قسّيس الكنيسة)، وكانوا في حديثهما لا يرون أن هذا خطأ، بل إن هؤلاء أقاربهما، فهما يشاركونهم فرحتهم، وقال حمود لمحيميد: “بدأت أحب خالي بطرس”. وازداد هذا الحب (لخالهم بطرس) بعد أن أهدوه القرآن الكريم لدعوته للإسلام، وفي الحديث الذي دار بينهما، لب ما كانت ترمي إليه الحلقتين، فخالهم كما قال “مسيحي مؤمن بالإسلام، وبكل ما جاء به الأنبياء بما فيهم محمد صلى الله عليه وسلم، وأن جميع الأديان السماوية تكمل بعضها بعضا”. كان اختيارهم لبنان مناسباً، وذلك نظراً لحالة الأديان المتواجدة في هذه الدولة، وحالة التعايش التي بين أفراد الشعب، ولم نكن لنسمع شيئاً عن اختلافات دينية تُذكر بينهم، بالرغم مما نسمع من خلافات سياسية، إلاّ أن هذه الخلافات لا يمكن أن تنعكس على العقائد أو الأديان، وربما يعود هذا التعايش للبيئة الجميلة التي كنا نشاهدها عبر الشاشة، بينما البيئة الجافة أو الصحراوية التي لدينا هي سبب في نفورنا من الآخر وعدم تقبّلنا له، وهو ما انعكس على سلوكنا وعلى تعليمنا كذلك.