قال الضَمير المُتَكَلِّم: كان الحديث أمسِ عن (عقوبة السجن)، وأنها لم تحدّ من معدل الجريمة، وأنها عقوبة للجاني وأسرته ومجتمعه، وما يُصرف على السجون والمعتقلات من المليارات أولى بها المساكين من الأبرياء من المواطنين. واليوم يؤكد الواقع أن من أكبر أخطاء البشرية أن جعلت لمعظم الجرائم عقوبة واحدة هي السجن، خاصة بعد إلغاء عقوبة الإعدام في كثير من الدول، بينما العدالة في العقاب تقتضي أن يكون العقاب من جنس الجرم، وَوِفق وزنه، ناهيك عن أن السجين يكون في معزل عن عيون الناس ممّا قد يعرّضه ذلك لصنوف شتّى من العقاب النفسي والبدني!! فحين تطأ قدم الإنسان السجن يجد نفسه في قبر مكتظ ببقايا حياة، حيث لا خصوصية، ولا سِتر، ولا خلوة، وتصبح حركاته وسكناته ونومه ويقظته وقيامه وقعوده وكلماته وأنفاسه ساحة مباحة منتهكة من كل ناظر وسامع!! إن اكتظاظ السجون والزنازين بالآدميين عقوبة، وحرمان السجين من اتصاله بأهله وأبنائه وزوجه عقوبة ثانية، واحتقار السجين من قبل سجانيه وإذلاله وازدرائه جريمة ثالثة، وتشغيل السجين في مهن شاقة عقوبة أكبر وأكبر، وحرمان السجين من الاطلاع على تطورات الحياة، ومعاناة أسرة السجين النفسية والاقتصادية والاجتماعية طيلة فترة سجنه عقوبة فظيعة له ولأسرته البريئة؛ أمّا لو كان في السجن امرأة، وخاصة الأم، فالألم لا يمكن تخيّله، أو الكتابة عنه!! فإذا كانت عقوبة السجن بكل هذه القسوة فما هو الحلّ؟ وما العمل؟ الدكتور نهرو الطنطاوي يقترح: * مناشدة جميع منظمات المجتمع المدني في جميع أنحاء العالم، وكل آدمي حر يحمل بين جنبيه شيئًا من بقايا الإنسانية أن يساهم بكل ما يستطيع في المطالبة بإلغاء عقوبة السجن، واعتبارها عقوبة ضد الإنسانية، واستبدالها بعقوبات أخرى أكثر عدالة وإنصافًا وسرعة للمعتدين والمعتدى عليهم!! * مطالبة المتخصصين في علم العقاب والجريمة، وكل المفكرين والباحثين بأن ينذروا أنفسهم لإعادة النظر والتقييم في المنظومات العقابية الحالية، والفكر العقابي الحالي، ومحاولة وضع فكر عقابي جديد أكثر عدالة وكرامة وصونًا لآدمية وحقوق الجاني والمجني عليه، بديلة لعقوبة السجِن! * عَقد ندوات تضم نخبة من المتخصصين في شتّى المجالات ذات الصلة لمناقشة هذه القضية من كافة جوانبها القانونية والأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية والدينية للخروج بتوصيات مناسبة! (صورة مع التحية لوزارة الداخلية).. ألقاكم بخير والضمائر متكلّمة.