أهل السنة يؤمنون برجل من آل بيت النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يخرج في آخر الزمان خروجًا طبيعيًا، يولد كما يولد غيره، ويعيش كما يعيش غيره، وربما يقع منه الخطأ، ويحتاج إلى إصلاحٍ مثل غيره من الناس، ثم يكتب الله على يديه خيرًا كثيرًا، وبرًّا، وصلاحًا للأمة، وعدلًا، ويجمع الله به شمل المسلمين. ليس هناك أكثر من هذا؛ كما هو وارد في الأحاديث. ولم يرد في أيِّ نص من النصوص أننا متعبدون بانتظاره، أو ترقُبه، بل لا ينبغي لأي مسلم أن يقبل مثل هذا الادعاء بمجرد الاشتباه؛ حتى تقوم الأدلة الكافية فإن المدعين كثير، منذ فجر التاريخ؛ كما سوف أشير إلى شيء من ذلك. والمسلم مطالب بالتثبت، والتحري، والأناة، وألا يستعجل الأمور بمجرد الرغبة أو الهوى النفسي. ولا يتوقف على خروجه أي شعيرة شرعية نقول: إنها غائبة حتى يأتي الإمام المهدي، فلا صلاة الجمعة، ولا الجماعة، ولا الجهاد، ولا تطبيق الحدود، ولا الأحكام، ولا شيء من ذلك مرهون بوجوده؛ بل المسلمون يعيشون حياتهم، ويمارسون عباداتهم، وأعمالهم، ويجاهدون، ويصلحون، ويتعلمون، ويُعلِّمون، فإذا وُجد هذا الإنسان الصالح، وظهرت أدلته القطعية -التي لا لَبْس فيها- اتّبعوه. وعلى هذا درج الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وتتابع على هذا أئمة العلم على تعاقب العصور. ففكرة سيطرة الترقب، والانتظار، والمبالغة بهذا أمر حادث. المهدي عند الشيعة: المهدية عند الشيعة عقيدة أساسية جدًا، بل المذهب يقوم على هذه الفكرة، وطوائف الشيعة جميعها تختلف في أشياء كثيرة، لكنها تتفق في فكرة ما يسمونه (الإمام الغائب)، ويعنون به الإمام المهدي، وإن اختلف المهدي عندهم. وأول دعوى ظهرت في هذا الباب؛ هي ادعاء أن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- سوف يعود، وأنه لم يمُتْ، وأول من ادعاها عبدالله بن سبأ اليهودي، وقال: العجب من قومٍ يزعمون أن عيسى-عليه السلام- سوف ينزل وينكرون خروج النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، ومحمد أحق بالرجوع من عيسى. وهذه الفكرة الخيالية فكرة فاجرة، أراد منها هذا الرجل العبث بمقدس من مقدسات الإسلام، وهو عقيدة ختم النبوة، فإن الله تعالى ختم النبيين بمحمد -صلى الله عليه وآله وسلم- “مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ” (الأحزاب: من الآية40) وقال -صلى الله عليه وسلم-: “أنا خاتم النبيين لا نبي بعدي” رواه الترمذي (2219) وأبو داود (4252). وهذه من العقائد القطعية عند المسلمين؛ ولهذا كفّر المسلمون جميعًا عوامهم وخواصهم، علماؤهم وقادتهم، كل من ادعى نبيًا بعد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وحكمت المحاكم الإسلامية بأن (القاديانية) و(البهائية) فرق كافرة خارجة عن الإسلام؛ لأنهم ادعوا نبوة رجلٍ من قادتهم كميرزا غلام أحمد، أو غيره بعد الرسول -عليه الصلاة والسلام-، فكفروا بذلك؛ لأنهم خالفوا قطعيًا من قطعيات الدين، وعبدالله بن سبأ اليهودي تحايل على هذه الفكرة، فزعم أن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- سيخرج من قبره، ولم يقل: هناك نبي آخر، وهذا تمهيد؛ لأنه إذا انخرمت هذه القاعدة، وأصبح الناس، أو طائفة منهم يترقبون خروج الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- سهلت القضية؛ لأنه قد يخرج عليهم أيُّ شخص، ويدعي أنه هو الرسول، وأنه خرج من قبره، وليس شخص آخر ادعى النبوة بعد الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وها هنا تكون الخطورة. وهذا خروج عن قواعد المسلمين، وخروج عن قانون الشريعة، وخروج على إجماع الصحابة، وإجماع السلف، وإجماع التابعين، ومن يدعي مثل هذه الأشياء هو بين أمرين: 1 إما أنه شخص فيه هوس وجنون، فهذا محله المصحَّات النفسيَّة. 2 أو أنه شخص عاقل فينبغي أن يُقنع، ويفهَّم ويبين له، فإن أصرَّ؛ فلا بد من محاكمته، كما حاكم المسلمون الطوائف القاديانية في باكستان وغيرها، وأصدروا فيهم حكمًا واضحًا حتى لا يلتبس الأمر على الناس.