* مَن يصدّق أن بلدي تدفع للوطن بلا حساب، وبالرغم من ذلك تغرق بلدي بمرور غيمة صغيرة، ويموت الناس من جرّاء السيول، وتضطر الحكومة للدفع مرتين وثلاثًا، وكل مرة تحت مسمّى جديد، وبند جديد.. مرة تعويضات السيول، ومرة مساعدة المتضررين، ومرة بمسمّى أكثر أهمية، وتظل الحكومة تدفع وتدفع، ويظل الحال لا يتغير، وأصل حد الكآبة حين ألحظ فشل التحقيقات الصحفية الجادة، والأخبار المثيرة، والمقالات المبلولة بالدموع في الوصول للهدف.. وأفرح حين أرى النفوس المحبة للوطن وهي تصر على مواصلة الحرب على الفساد، والوقوف ضد كل المقصّرين. ولأن الوطن أثمن ما في الحياة، سوف نواصل ونتصدّى لكل المبالغات، ونرفض كل المبررات الخالية من المنطق، ذلك لأن الواقع الذي يكاد ينبئ الجميع بأن الحلم أبعد من أن يكون حقيقة، وأن المليارات سوف تذهب في قيود، وبنود، ويظل الناس والخوف في علاقة مأزومة. * أنا لا أكذب لو قلت لكم عن صديقي الذي كان يرسل لي في كل جمعة رسالة تقطر بالإيمان؛ لأكتشف ذات جمعة أنه حرامي كبير، خلف يكتب للوطن، ولا يحب سوى الوطن، محمد يكتب من الشمال ليحيا الجنوب، صالح لا يتمنى سوى أن تكون هذه الأرض أجمل ما في الكون، المهندس طلال يستحيل أن ينسى ما تعلّمه في جامعة البترول، وعبدالله يلقاكم وهو يكره الثناء، ويعشق النقد، ويغادركم والضمائر متكلّمة، أبو أيمن وصوته الممدود يواصل، وفي صدره أمل بالوصول للنهاية، وعبده يسكب من زمن قديم أشواكه في عروق المفسدين، والدكتور علي يجادل في ضميره المتّصل ضمائر الموتى، وثامر غادر عالم الكتابة إلى عالم الصمت؛ ليعود خلسة في صحيفة تصدر من الجهة الشرقية لمرة واحدة في الأسبوع، كل هذه الأسماء التي ذكرتها كتبت كثيرًا عن واقعنا المأزوم مع مَن يدفع بسخاء، ومن يكذب بإخلاص، ويسرق بقوة، كل هذه الأصوات صرخت حد الجفاف، والحال باقٍ ومآسينا في كل عام تكبر، والخوف من أن تأتي مصائب بأسماء جديدة، إذن ما قيمة أن أكتب، وتكتب أنت، وأنتم؟ أنا أعرف الإجابة وهي باختصار: لنقرأ الردود، ونتعلّم كيف يبرر المسؤول أخطاءه، ونستفيد من خلال الركض خلف أرقام المليارات، ونكسب لياقة ذهنية تجنبنا الوقوع في حفر الكلام، وتحمينا من روماتيزم وهشاشة العظام، خاصة وأننا نعيش فوق أرض عجزت عقول الجيولوجيين عن معرفتها، أرض تغرق من قطرة، وتبدو جميلة في الصور والخيال الذي أفسد على كل الذين يكتبون أحلامهم في الوصول للحلم. * خاتمة الهمزة صدّقوني.. لو قلت لكم إن فهد سلطان فقي، طفل عمره عامان، يعرف ينطق كلمتين فقط هما (وايت موي)، كما أعرف أنا كلمة واحدة هي( .... ) وكل الناس تعرف أن من يكتب للناس لا همّ له سوى الوطن، فليحيا الوطن.. هذه خاتمتي ودمتم. [email protected]