إذا كانت هناك رسالة تقطر ألمًا، وتسيل دمًا، وكُتبت بدموع اليأس، فهي الرسالة التي وجهها مجموعة من بنات الوطن إلى المشايخ، والكتّاب، والكاتبات؛ ليكونوا ضمير المتكلّم عن مشكلة البطالة لديهن، وهن يزدن عن (319) ألفًا، وبعضهن مضى على تخرجها (17) عامًا، ولم تحصل على فرصة عمل، بمعنى أن من وُلدت بعد تخرجهنّ أصبحت في سن العمل، وهنّ ما زلن ضحية للانتظار المؤدّي لليأس، وما يتبعه من مشكلات. وتصف الرسالة الموجهة إليّ كغيري عبر الإيميل الوضع المؤلم لهؤلاء الخريجات “منهن اليتيمة، والمعلّقة، والمطلّقة، ومَن هي تحت مسمّى متزوجة ولا يعرف عنها زوجها شيئًا، تعيش على صدقات الناس، ولم ترفع أمره للقضاء حفاظًا على مشاعر أبنائها”! وتقول الرسالة عن بنات الوطن “منهن حاملات الماجستير، ولم تُعطَ فرصة لتعف نفسها.. وهناك صاحبة الشخصية العلمية، ولم تُتح لها الفرصة، فأصبح مصيرها المهدّئات، والعلاج النفسي، وقد يكون مصيرها المخدرات”!. وتحدثت الرسالة عن معوّقات التوظيف وهي كثيرة: التغيير والتحديث: فمن إثبات الإقامة، إلى أحدثها، وهو اختبار القياس الذي صار لكل شيء، بدأ بالجامعات، وامتد للتوظيف، وقد يمتد إلى غير ذلك، فهو المؤهل بأسئلته العشوائية التي قد يصادف واحد إجاباتها فيكون متفوقًا، وقد لا يوافق الآخر فيخفق! أمّا سنوات التحصيل العلمي الطويلة فتنتهي باختبار واحد هو القياس، ونتيجته تحدد المصير. تذكر الرسالة أن سبب تأخّر تعيين الخريجات القديمات هو إلغاء نظام القوائم، وهو نظام معمول به في كثير من الدول، بمعنى أنه بعد تعيين خريجي كل سنة يتم الانتقال إلى السنة التي تليها، وتكون أولوية التعيين في السنة الواحدة بالتقدير، أمّا الآن فتقول الرسالة إنه لا ثبات في الأنظمة، ولا عمل بنظام القوائم القائم على الأقدمية، فقد تتعيّن خريجة هذا العام، وتبقى الخريجة قبل (17) عامًا تندب حظّها، وفي كل عام تتأخر للوراء، وقد تُحرم من الوظيفة بحجة أنه مضى على التخرّج (5) سنوات. خريجات الرياض هُنّ الأكثر تضررًا لكثرة الخريجات في مدينة كثيرة السكان والجامعات، والتعيين فيها يقتصر على المنقولات. وأتوقف عند عبارة “كل يرمي بالمسؤولية على الآخر”، وهذا صحيح، فوزارة المالية لا تعتمد وظائف، وهي صاحبة الصلاحية، ووزارة الخدمة المدنية لا تعيّن إلاّ على وظيفة أُرسلت إليها من الوزارات، ولو أغلقت الوزارات على الوظائف لا صلاحية لها لفك القفل، ووزارة العمل، وصندوق الموارد البشرية لا منهجية واضحة عندهما للتوظيف في القطاع الخاص الذي هو صاحب القرار، ولا يرغب توظيف المواطن، وبعض المشروعات تعلن عن آلاف الوظائف، ولكن ذلك لا يتجاوز صفحات الصحف. مشكلة البطالة مشكلة كبيرة تمتد من لقمة العيش الكريمة إلى الأمن الوطني، والزمن قد تجاوز مرحلة الشكوى والوعود، إلى وجوب حل للمشكة، والظلم الذي وقع بإلغاء قوائم الخريجين حسب السنوات، وباستحداث وإيجاد ما سُمّي بالمفاضلة وفق قواعد (المعدل والخبرة والأقدمية والدورات الزائدة)، هذا الظلم يجب وقفه، وتبقى هذه القواعد لخريجي السنة الواحدة، ماذا سيكون رد فعل مواطنة تجد أن تلميذتها تخرّجت وتعيّنت وهي ما زالت تنتظر منذ عام 1414ه، وما بعدها؟ لماذا لا يُعمل بنظام قسم الوظيفة بين خريجتين بنصف دوام، وبتقصير عمر تقاعد المرأة إلى (25) سنة؛ لتتاح فرص العمل؟ هناك حلول، وفي بلادنا عقول، ويمكن إيجاد حل بغير القياس، أمّا تراكم المشكلة فيعقّدها أكثر، ويولّد أزمات نفسية، ولا حياة كريمة بغير لقمة عيش كريمة، في بلاد كريمة، أنعم الله عليها بقيادة رشيدة، ومال وفير. آمل أن تجد هذه الرسالة قرارًا فعّالاً، وألاّ تُضاف إلى مسلسل تقاذف المسؤولية، وحسبي أني أبلغت الرسالة، وهذا هو المستطاع، ويجب تساوي فرص العمل حسب التخرّج.