كان كثيرون من مؤيدي الرئيس الأمريكي باراك أوباما يأملون أن انتخابه كأول رئيس أسود للولايات المتحدة قد يؤذن بحقبة من سياسات ما بعد العنصرية، لكن العرق فيما يبدو قضية لا تستطيع إدارته تجنبها. وبرزت الخلافات والتوترات بين الأمريكيين السود والبيض بشكل متكرر على مدى الأشهر الثمانية عشرة التي مرت منذ تولي أوباما الحكم مما أضر بشعبيته، بالإضافة إلى أن هذا كان أحد مصادر الإلهاء عن جدول أعماله السياسي. طفت هذه القضية على السطح هذا الشهر حين ضغطت وزارة الزراعة على مسؤولة سوداء لتستقيل بعد مزاعم بأنها مارست التمييز ضد مزارع أبيض؛ لتعتذر الوزارة بعد ذلك بيوم لتسرعها في التصرف ودون توافر الحقائق. وقال البعض إن البيت الأبيض حريص جدا على أن يثبت لمنتقديه من اليمين أنه لا يحابي السود. وقال اندرا جيليسبي المتخصص في العلوم السياسية بجامعة ايموري: “إدارة أوباما خسرت قدرا من الرصيد السياسي لأنها تحركت دون أن تمعن التفكير” فيما تصدر أوباما والعلاقات بين الأعراق عناوين الصحف في أحيان كثيرة. وفي يوليو الماضي في ذروة نضال البيت الأبيض لتمرير إصلاحات نظام الرعاية الصحية التي وضعها تعرض أوباما لانتقادات لاذعة لتصريحه بأن الشرطة “تصرفت بغباء” حين ألقت القبض على هنري لويس جيتس الباحث بجامعة هارفارد وهو اسود بتهمة اقتحام منزله الخاص. وفي الآونة الأخيرة أسقطت وزارة العدل اتهامات ضد جماعة “نيو بلاك بانثر” بترويع ناخبين مما يثير انتقادات من جماعات محافظة تقول إن الرئيس الأسود لا يريد محاكمة أبناء عرقه لارتكاب انتهاكات للحقوق المدنية. وكتب الصحافي بول كروجمان في نيويورك تايمز: “حين تبدأ آلة الصخب اليمينية تروج لفضيحة مزعومة أخرى يجب ألا نشتبه أنها زائفة يجب أن نفترض أنها زائفة الى أن يتاح المزيد من الأدلة”. ومر أكثر من 40 عاما منذ حظرت قوانين الحقوق المدنية الأمريكية التمييز ضد السود. لكن قضية العرق في امريكا ما زالت عاملا قويا ومثيرا للانقسامات في مجالات تتراوح من الوظائف الى فرص التعليم والمصارف وملكية المنازل. ويمثل السود 13% من سكان الولاياتالمتحدة ومتوسط دخولهم أقل واحتمالات حصولهم على وظائف تكون في الغالب أقل من الجماعات العرقية الأخرى. كما أن احتمال إلقاء القبض عليهم وصدور أحكام أقسى ضدهم أكبر. وكتب مايكل جيرسون في عدد الأربعاء الماضي من صحيفة واشنطن بوست: “الصراع العرقي هو أعمق جروح امريكا ولم يلتئم جيدا بعد”. ويتبادل اليمين واليسار الاتهامات بإقحام قضية العرق في الخطاب السياسي. ويقول خبراء إنه لا مفر من هذا نظرا لوضع أوباما كأول رئيس غير أبيض للولايات المتحدة. وكان والد أوباما كينيًا ووالدته أمريكية بيضاء. وفي الأسبوع الحالي قالت شيرلي شيرود وهي مسؤولة سوداء بوزارة الزراعة إن رؤساءها ضغطوا عليها لتستقيل بعد أن بثت وسائل إعلام محافظة اكثر من مرة شريطا يظهرها فيما يبدو وهي تقول إنها مارست التمييز ضد مزارع ابيض بسبب عرقه. واكتشفت الوزارة فيما بعد أنه تم التلاعب بالشريط ليظهر تصريحات شيرود خلال اجتماع للرابطة الوطنية للنهوض بالملونين على غير حقيقتها. وكانت في الحقيقة تقول إنه يجب ألا يوضع العرق في الاعتبار. واعتذر وزير الزراعة توم فيسلاك علنا وعرضت عليها الوزارة وظيفة أخرى. وقالت إنها لم تقرر ما اذا كانت ستقبلها. وسواء كان هذا متعمدا ام لا فإن الغضب بشأن قضية شيرود شتت انتباه وسائل الإعلام يوم الأربعاء عن أحد اكبر إنجازات أوباما وهو توقيعه إصلاحات تاريخية لقواعد تنظيمية مالية عارضها المحافظون. وكان المحافظون قد ربطوا بين الشريط وبين مطالبة الرابطة الوطنية للنهوض بالملونين لحركة (تي بارتي) السياسية بنبذ النزعة العنصرية التي يبديها بعض أعضائها. وكثيرا ما يتم عرض صور مثل واحدة تصور أوباما وداخل فتحتي أنفه عظمتان وأخرى للبيت الأبيض وأمامه حديقة مزروعة بالبطيخ في التجمعات التي تقيمها حركة (تي بارتي). ويقول زعماء (تي بارتي) إن الحركة ليست عنصرية لكنهم يعترفون بأن هناك عناصر هامشية عنصرية بين اعضائها. وقال جيليسبي إن المخاطر أعلى بالنسبة لأوباما لأن حملته لانتخابات الرئاسة سعت الى تأكيد أنها لن تدخل في نزاعات عرقية. وأضاف: “وبالتالي حين تم انتخاب أوباما.. كان هذا يعني أنه لم يكن من المفترض أن يعالج القضايا العرقية وأنه إذا ناقش القضايا العرقية فسيحدث رد فعل عنيف”.