شيء عجيب، سأروي لكم اليوم قصة، لم أحتمل أن أكتمها؛ لما لها من دلالات وبصمات ومفعول في أحوال مجتمعنا، وصمتنا الرهيب حيال مَن يلعب ويسلب حقوقنا. هاتفتُ أحد الوزراء لأسأل عن قانون معيّن، فلم أجد في بحثي المستديم عن حقوق وطن، وأوامر مليك، فتناقشتُ معه لوهلة، وسألت عن القضية، وفسرتُ لما لها من تأثير على خصوصية وهوية الأفراد، والعباد، والمستضعفين في الأرض، فالإجابة كانت محيّرة، تذهب تارة ذات اليمين، وتارة ذات الشمال، لتضعني في حيرة أكبر ممّا ابتدأتُ بها عند بداية المكالمة، فنظرت إلى السماعة أسألها هل فهمت؟ إجابة مبهمة، وإشارات غير مقروءة، هذه كانت إجابته، فاكتفيتُ من هذه الإشارة، وقررتُ أن أسأل بنفسي مَن يعلم في هذه المهنة، لأجد جوابًا شافيًا لمسألتي وبحثي، فتفاجأت أن القانون موجود منذ ما يقارب الثلاث سنوات، ووزيرنا لا يعرف أنه أصدر من مليكنا، ليفعل، ولكن لسبب عجيب مذهل لم يمر على طاولة الوزير، ولم يخطر على باله أن يقرأ المسودة الموضوعة أمامه عند كل اجتماع لمجلس الوزراء، لأنه مشغول بعدسات التصوير، والهمس والتلميع، والغترة الأنيقة، والكلمات الانسيابية، والنظرات الذكية للإعلام، لينقل صورة مطلية ببريق السلطة والمعرفة الذهبية. أهذه هي حالة وزرائنا أيّتها الأمة المحمدية؟ أين الثقة الملكية والأمانة الإلهية؟ أين الضمير في تولّي المنصب وعدم تفعيل القرارات، وتركها لوقت غير معلوم؟ لهذا أصبحت حقوقنا مهدورة، وقضايانا سجينة البيروقراطية، فلا معرفة من الوزير، ولا علم من المواطن عن حقوقه التي هي أبسط ما يكون: نتكلّم في أروقة الطريق، وخلف أسوار الخوف، وجدران البيوت، عن حقوقنا، ولا نعرف أن حقوقنا موجودة، وحكومتنا أدّت الأمانة بتصديرها، ولكن أين التنفيذ وإعلام المواطنين بحقوقهم، وهذه اعتبرها من أبسط الحقوق والواجبات الوطنية، كيف نطالب بشيء وهو موجود؟ كيف نظلم غيرنا والعدل مكتوب في قوانيننا، ومن سلطتنا التشريعية، ولكنها خلت السبيل في موقع ما في لحظة ما، من عدم انتباه لبعض وزرائنا وسلطاتهم التنفيذية، فصارت قرارات وهمية، لا تمت للواقع بِصِلَةٍ في عقل المسؤول، فأصبح يؤلّف ويقول لا أعرف، لربما لأن القوانين المرسومة تكتلت فوق طاولة صاحبنا، فلم يعد يعرف القراءة، ولا ينظم الأنظمة، فيولي كل قرار أولويته، ليجد طريق التحرير والخلاص من براثن سجون الوزارات المعنية. لماذا حقوقنا لا نعرفها؟ لماذا لا ندرسها في أروقة مدارسنا وجامعاتنا؟ لربما يرثنا جيل يقدر أن يدافع ويقاضي ويعرف حقوقه، ويأخذ بثأر أجداده وآبائه الذين ضاعوا في أروقة المحاكم، واختاروا الانهزام أمام جبروت ظالم لا يعرف للحقوق حرمة؟! وزراؤنا وحقوقنا، كلمتان متناسقتان، ولكنهما في الواقع نوتة نشاز في واقعنا، فلا انسيابية، ولا واقعية، ولا معرفة وطنية بما أصدره مليكنا من مراسيم وقوانين تعطي لكل مجتهد نصيبًًا، وتنصر المظلوم، وتضعنا في خانة الدول المسمّاة بالعالم الأول. فكيف سنصبح في هذه الخانة وقوانيننا مرتهنة بالمنصب، وهوية الجالس على الكرسي، لا بدستور مؤكد، وحقوق حتمية، ونتائج مرضية وإيجابية؟ أليس الأمم ترقى عند إرساء القوانين، وإعطاء كل ذي حق حقه من خلال دفاتر مكتوبة وقوانين مفعلة، لتحمي كلمة واسطة التي وضعتنا في خانة دول معروفة بهذا المسمّى الذي كنا نجهله، وليس في قاموسنا. أنصبح في خانة الدول المضاربة، ونطالب بالسوق الدولية، ونحن نولي مناصب لرجال تجهل قوانين وطنها، فيا عجب وكل العجب لمن يريد المنصب ولا يريد التعب. منظمتنا التشريعية لا تعاني الخلل، ولكن التنفيذية.. فعليها ألف علامة عجب، وعلامات استفهام لمَن يدّعي علم البيان. إننا مواطنون ساذجون، هكذا يروننا من مناصبهم فوق السحاب، ألا يعرفون أن لكل طائر يطير يومًا ليقع بين النسور، فلن تنفعه جناحاه إذا لا للطيران، ولا لإصدار الأوامر، فعندها سيكون الصمت الرهيب، والحساب عتيد.
همسة الأسبوع قرن مضى، وقرن قادم، ونحن في بداية عهد ساطع، أكتب الآن هذه الكلمات، فهذه تكفي عن كل العناوين والمسمّيات.