دراسة فريق عمل مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني عن واقع الخدمات الصحية في المملكة تستحق الاطلاع والتحليل إذ تناولت في محورها الرئيس عن (قياس الأداء الصحي) العديد من النقاط والإحصاءات الجديرة بالتأمل...وموضوع الشأن الصحي وعلاج الناس من الموضوعات الجوهرية الحيوية التي تمس حياة الناس وصحتهم ولقد تناولتها – وغيري من الكتاب – لغير مرة بيد أن الموضوع يتفاقم فيها دون علاج ناجع يثلج صدور الناس. * لقد كشفت الدراسة بأن ردود الأفعال في عينات أفراد المجتمع (البحث) عندنا متباينة وفقاً لفئاتهم العمرية ومستويات دخول الأفراد وتعليمهم وثقافتهم وهو اختلاف طبيعي...إذ ينخفض مستوى القناعة بدور المؤسسات الصحية في تثقيف المجتمع وكفاية الخدمات الصحية المتاحة في البلد كلما ارتفع عمر الفرد ومستوى تعليمه ودخله فالعلاقة عكسية...فوعي الناس اليوم غير ما كان عليه بالأمس كما أن ظهور العلاج المتقدم في القطاع الخاص – رغم جشع ملاّكه – أفرز تحديات كبيرة أمام أداء القطاع الصحي الحكومي فالبدائل دوماً تتيح المجال للاختيار والمقارنة.. * وعلى عكس ذلك فإن أصحاب الدخول المتدنية ومستويات التعليم المنخفض والفئات العمرية الصغيرة تجد عندهم قناعات بمستوى الأداء الصحي الحكومي و نسبتهم 29% (مكره أخاك لا بطل)..أضف إليهم أن 70% من العاملين في القطاع الحكومي العسكري يؤيدون ويقتنعون- بدور المؤسسات الصحية وكفايتها...وهذا في حد ذاته يكشف أن تلك الفئة ولأنها تتلقى العلاج في المستشفيات العسكرية (وهي متقدمة نوعياً عن المستشفيات الحكومية الأخرى) يتوفر لها من المزايا ما لا يتوفر للمواطنين المدنيين وهو فارق لا بد من استرعاء الانتباه إليه إذ لا بد من تضييق الفجوة بين القطاعين ورفع مستوى الثاني ليصل للأول ويلبي احتياجات المجتمع بكفاءة عادلة... * أما أصحاب الدخول العليا وفوق المتوسطة من المواطنين الذين لم يعجبهم مستوى أداء الخدمات الصحية الحكومية وذاقوا وبال أمر مراجعاتها المضنية فهم يعقدون المقارنة مع ما يجدونه في مستشفيات القطاع الخاص..لكنهم يعانون الآمرين وتثقل كواهلهم تكاليف أسعار العلاج في القطاع الخاص...مما اضطر معظمهم إلى اللجوء إلى سوق التأمين الصحي فكانوا (كالمستجير من الرمضاء بالنار) فجشع شركات التأمين الطبي الملحوظ لا يقل عن جشع القطاع الصحي الخاص..إذ إنهم يشتكون من ارتفاع أقساط Premiums التأمين الطبي في بوالص التأمين الطبي medical insurance policies إلى جانب شروط البوالص المجحفة...بل إن معظم شركات التأمين الطبي اتجه هذا العام إلى زيادة الأسعار ورفع الحد الأدنى للتكلفة التي يدفعها المؤمن عليه deductiblesلأن الشركات تقوم كل عام بمراجعة ما استهلكته العائلة المؤمن عليها وترفع تكلفتها مما يضع الناس في موقف لا يحسدون عليه..ولكن ليس باليد حيله لأنه ليس ثمة بديل؟ * لذلك طالب 92% من عينات بحث الدراسة سالفة الذكر بتحديد أسعار ثابته لتكاليف العلاج الخاص وهذا من الحلول التي تخفف من العبء الواقع على المستشفيات الحكومية ومن إرهاق أصحاب الدخول المتوسطة الذين يضطرون إلى اللجوء للمستشفيات الخاصة من ناحية كما أنها سوف تؤثر على أقساط التأمين من ناحية ثانية لأنها سوف تخفض من تكاليف ما تدفعه شركات التأمين للمستشفيات الخاصة وهكذا فتعمد الشركات إلى تخفيض أسعار بوالصها. * وذلك حل توفيقي بديل.. غير أن الحل الأمثل هو أن تساهم الدول عن طريق وزارة الصحة إما في رفع مستويات العلاج بالمستشفيات الحكومية ونوعيته بتغيير أساليب ترسية عقود التشغيل والصيانة ودعم بنود العلاج وتأمين المستلزمات من قبل وزارة المالية فهذا شأن حيوي يمس حياة المواطن ولا مجال لخفض المصروفات فيه لأن ثمة بنوداً أخرى يمكن خفض المصاريف فيها..أو طرح المستشفيات الحكومية للتشغيل التجاري...وغير ذلك من البدائل التي ترفع من مستوى الخدمات الصحية وتعيد الإقبال عليها.. وفي الختام نتصور أن لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني دوراً في تبني متابعة تلك الدراسات ورفعها لصاحب القرار ومتابعتها مع الجهات المعنية لتحقيق أهدافها..والمركز يشكر على هذه المبادرات الجميلة التي لا بد من استثمارها جيداً.