تعجبتُ ووقفتُ مندهشًا، وربما وصل الأمر إلى حد الذهول للخبر المنشور في الصفحة الأخيرة من هذه الصحيفة الاثنين الماضي العدد (17246) بتاريخ 30 رجب 1431ه، والذي نقل من خلاله مطالبة وزارة الشؤون البلدية والقروية لأعضاء المجالس البلدية، وأمانات المدن التريث في إجراءات منع الدخان! والواقع أن مثل هذا التوجيه يدل على عدم اكتراث من الوزارة بهذه الجائحة التي انهمرت تفتك بالأسر، وبخاصة في أوساط الشباب والفتيات، وتسعى إلى تدمير صحتهم، والقضاء على قواهم الجسمية والعقلية. إن العالم بأسره يكافح هذه السموم، ويصدر القرارات التي تكبح انتشارها، وتوقف التوسع في تداولها بين مواطنيها، بل وتفخر بعض المدن والدول بإعلان بعض المدن فيها بأنها خالية من التدخين، كالمدينة المنورة، ودولة الإمارات العربية المتحدة من أواخر من أعلن ذلك. إنه في الوقت الذي أدرك الحكماء في العالم خطورة هذا الوباء، وسنّوا الأنظمة التي تُخلّص غير المدخنين من التدخين السلبي بمنع التدخين في الأماكن العامة، والمكاتب الرسمية، وتفرض الغرامات لمن يخالف ذلك المنع (منع التدخين في مطاراتنا، و200 ريال غرامة) يأتي هذا الخطاب -الذي تحصّلت الصحيفة على صورته- بالنقيض، ويطالب بالتريث في المنع إلى حين التنسيق مع جهات الاختصاص! ليتنا عندما نصدر قراراتنا نتريّث، فالمسالة ليست في إصدار القرار، بل في النتائج المترتبة عليه، فمثل هذه القرار سيكون من نتاجه قطعًا المزيد من انتشار الدخان، وزيادة عدد المدخنين والمدخنات، بل وزيادة مبيعاته تحسبًا لصدور قرار المنع الذي تريثت فيه الوزارة، (على افتراض صدوره)، ولا أظنه يصدر!! والمرجو عند إصدار أي توجيه أو قرار أن يبتعد عن الفردية والاستعجال، بل المفترض التحسّب لأي مأخذ أو مردود سلبي جرّاء اتّخاذه، وإن تعجب فكل العجب في عدم تحرك الوزارة ذاتها، واتخاذ دور فاعل في مواجهة الأمور الداهمة، وترك ذلك إمّا لإداراتها (أمانات المدن والبلديات)، أو للجهات المشرفة عليها (المجالس البلدية)، وبدلاً من أن تشجعهم وتشكرهم على تحركهم تطالبهم بالتريث!! جهاتنا الأخرى يفترض فيها التكامل؛ فالجمعيات الخيرية لمكافحة التدخين تتبع لوزارة الشؤون الاجتماعية، وهناك جمعيات تابعة لوزارة الصحة، وكل جهة لها برامجها ومشاريعها، ولو تكاملت هذه الجهود وتضافرت لكانت النتائج أفضل، فالإفادة من البرامج والإمكانات والطاقات تؤدي إلى مخرجات رائعة، تنعكس على الأداء، ويفيد منها المستهدفون، ويكون مردودها مضاعفًا. ومرة أخرى يُرجى عدم إصدار مثل هذه التوجيهات؛ فهي تؤثّر على القارئ، ولها نتائج عكسية، وبالتالي يكون مردودها على المجتمع بعامة سلبيًّا، وبخاصة إذا كان القرار، أو التوجيه يمسّ المجتمع بكل شرائحه، فهل تفعل وزاراتنا وتوقف مثل هذه القرارات؟! [email protected]