تحمل منطقة عسير شواهد تراثية شامخة تدل على روعة التاريخ وتفوح منها رائحة الأجداد، ففي منطقة عسير قلاع وابراج وآثار أبت أن تخضع لسلطان الأيام ومرور الزمن، فبقيت رافعة رأسها تحاول ان تنهض بما تبقى لها من أطلال تحمل ذكريات القرون وأحاديث الاوائل. “المدينة” تقف أمام قلعتي شمسان وذرة وتستعيد تاريخهما من جديد.. تحتل القلعتان وغيرهما من القلاع الموجودة بأبها مواقع عسكرية استراتيجية قديمة وتحتل قممًا تطل على مدينة أبها من كل جهاتها وعلى بعد يجعل المرابطين بها يرون القادم اليها من مدى مناسب ولعل المطلع على هذه المواقع عن كثب، والذي يمعن النظر في طريقة بنائها بمتانة فائقة، وتوزيع المواقع بين مواقع الدفاع ومنافذ إطلاق القذائف من الداخل وتخزين الذخيرة ومواقع التدفئة وصنع الطعام، واماكن النوم والقيادة، ليجد أن قوة جسمانية وفنية كونت من مواد البناء العادية (الحجر والطين) قلاعًا مناسبة لحياة لا تفارق اصابعها (الزناد) مع انها في مأمن من وجود آلة حربية مماثلة لما لديهم مثل المدفعية خاصة.. زد على ذلك ان بروجًا صغيرة ويسمى واحدها بلغتهم (الكركون) تقوم بحماية هذه القلاع ووسائط التموين والتنقلات بين موقع وآخر عبر طرق رصفت بالقطع المنبسط من الحجر وتثبيتها بالطين بإتقان جعل بعضها باقيًا رغم جوارف السيل وعدم الصيانة. الطابع المعماري أما الطابع المعماري فلا يخرج عن الطابع المعماري الذي تشيد به الحصون العسيرية إلا أنها تختلف في الشكل لبعض اجزاء القلعة، حيث تكون الابراج (الكركونات) تأخذ شكلًا دائريًا أو نصف دائري وهي اقرب ما يكون الى ما يسمى لدينا ب (القصبة) التي تستخدم في بلاد عسير إما لحماية القرى، او لتخزين الحبوب، إلا أن الكركون التركي لا يزيد ارتفاعًا عن (3 - 4) أمتار، بينما (القصبة) قد تصل الى ما بين ( 8 - 10) أمتار، ومنها ما هو دائري وهو الغالب، ومنها ما يكون مربعًا وذات مداخل صغيرة وبداخلها سلم حجري تثبت اسنانه، فيتنفس الجدار من الداخل ويترك منها ما طوله (20 - 30) سم بارزًا ومتدرجًا. قلعة شمسان أو شميسان على اختلاف المصادر تقع الى الشمال من ابها تحرس الطريق العام القادم من عقبة شعار ومن عقبة الصماء ويعود تاريخ تأسيسها الى عام 1327ه، حيث شيدها سليمان شفيق باشا، وهي أوسع القلاع الموجودة بأبها مساحة، وأقلها ارتفاعًا.. لها باب غربي كبير وسور يضم العديد من المرافق التي تحتاج الى سعة وبها من الجهة الشمالية برج حراسة ضخم.. والوصول اليها أسهل من غيرها في الحالات العادية، أما موقعها فهو من اجمل المرتفعات المحيطة بأبها وفيه أقيم سرادق استقبال الملك سعود بن عبدالعزيز رحمه الله أثناء زيارته الأولى للمنطقة عام 1374ه، كما أقيم له احتفاء اثناء زيارته الثانية عام 1379ه على ما أذكر في نفس الموقع لانه كان الافضل. قلعة ذرة وذرة جبل مرتفع يسيطر على كل ما حوله، وهو صعب الارتقاء مع انه أصبح من الممكن الوصول الى قمته بالسيارة.. ويقع في الجزء الجنوبي من بداية أبها، ويعتبر هذا الجبل علمًا مشهورًا تتميز به أبها.. وقد بدأ العمران يتسلقه بسرعة عجيبة، وهذا الجبل يشكل هرمًا عملاقًا بقلب أبها.