اسم كبير، بل هو أكبر اسم في ديوان اللغة لمسمَّى صغير، بل هو من أصغر المسميات من المخلوقات.. إنه القملة، يجمل هذا الاسم أحرفًا ثمانية، والقاعدة تقول: ومنتهى اسم خمس أن تجردا وإن يُزَدْ فما سبًعا عَدَا وأمَّا هذا فقد عَدا، ولا ندري كيف وضع الواضع هذا الاسم، ولا نعلم السبب الذي أطال به الاسم، ولعل واضعه أعرابيٌّ ملكت القملة عليه مذاهبه وأوسعْته أذىً، وحمَّلتْه قذى، وملأته رعبًا.. وللمتفكر أن يأخذ من هذا الاسم دلالات، أقتصر على ذكر واحدة منها، هي خداع الألفاظ، فكم من مخادع باللفظ، أو منخدع به حين يجد الاسم كبيرًا، أو صغيرًا، أو قويًا، أو ضعيفًا، فيستدل بذلك على كِبر المسمى، أو صغره، أو قوته، أو ضعفه، وكم ممن يسمي محيي الدين، ونور الإسلام، أو جماله، ولا إحياء ولا نور ثَمَّ ولا جمال، وقد جاوز الإمام ابن حجر العسقلاني حدَّ الظَّرْف حين استدل على أن الاسم غير المسمَّى في قوله: الاسمُ غيرُ المسمَّى والحقّ أبلجُ واضحْ فإن تشككْت في ذا فانظر لسيرة صالحْ وسئل أحد المغفلين: أيُّما أفضل معاوية أم عيسى ابن مريم ؟ فقال: لا إله إلا الله.. أيساوَى بين كاتب الوحي ونبيِّ النصارى؟! ولو قال: نبيُّ الله، لما كان لجوابه معنى في الظاهر ولا في الباطن، كما يقال: فَرسُ الجبان، وقد يكون خيرا من فرس غيره، ولكن المضاف إليه حقَّر من شأنه، ويشبه هذا في بعض الوجوه حِيَل الخصوم في اختيار الألفاظ وخداع المخاطب بألفاظ الاستعطاف، كما فعل أحد الخصمين في قصة داود حين قال: {إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة }، وأصل دعواه: أخي أخذ نعجتي، ولكنه أدخل في دعواه ما يُوهم أنه مظلوم حين هوَّل بما يملكه خصمه، ولهذا أدخلها داود في حيثيّات حكمه، فقال له نبي الله داود: {إلى نعاجه}، وهو كمن قال لك: هذا عنده مليون ويريد أخذ ريالي، فمقدِّمته الأولى استعطاف يذهل الحاكم عن الحكم بالحق إذا عجل في الحكم وذهل عن لحن الخطاب.