الحياء لغة: مصدر قولهم: “حيّي، ويدل على الاستحياء الذي هو ضد الوقاحة”. واصطلاحًا: “تَغَيُّرٌ وانكسارٌ يعتري الإنسانَ من خوف ما يُعاب به... ويقال: خُلقٌ يبعث على ترك القُبح ومنع من التقصير في حق ذي الحق....” هذا بعض ما كتب من تعريفات عن خلق الحياء، ولو أردنا تقصي جميع النصوص الشرعية، وما ورد في كتب التراث التي تحدثت مباشرة أو إشارة عنه فهي أكثر من العد والإحصاء، ولعلنا نكتفي بالتعريفين المذكورين للانطلاق منهما إلى بسط هذه القضية عما يحدث في حياتنا وفي مجتمعنا عندما يفتقد البعض هذا الخلق الكريم وفي مجالات عديدة. دعونا نتساءل عن مسيرة حياتنا فيما لو غاب عنها الحياء، أو على الأقل عندما لا نعطي هذا الخلق حقه ومكانته في التعامل بيننا أو في سلوكياتنا داخل البيت وفي الطريق والسوق وأماكن العمل، وعلى سبيل المثال عندما يوقف أحدنا سيارته بطريقة خاطئة على جانب الطريق أو وسطه أو في مكان يمنع فيه الوقوف أو يكون ثمة ضرر على الآخرين بالوقفة الخطأ، أو عندما يعامل الرئيس مرؤوسيه بأسلوب غير حضاري من فظاظة وغلظة وربما بألفاظ غير لائقة، انطلاقًا من قوة مركزه وصلاحياته الإدارية، أو بالعكس تعامل الموظف مع مسؤوليه بالطريقة نفسها أو باللامبالاة وتكرار الغياب دون أعذار معقولة وحقيقية، أو عندما يقصر أحد العاملين في مؤسسة حكومية أو أهلية مع عدم الالتفات إلى ما يعود به هذا السلوك على المراجعين أو العملاء، بل الأكثر من ذلك عندما يستهين موظف ما -مهما كان مركزه- بالمال العام أو حتى بالمال الخاص له أو لغيره، وحتى بالنسبة على مستوى الطلاب المهملين ما يلقى عليهم من دروس وأداء ما يطلب منهم من واجبات، بل حتى عامل النظافة سواء في الطرق والأزقة أو في المؤسسات، ولا يؤدي عمله بما يرضي ربه، كل هذه النماذج وغيرها هل سنجد من ورائها غياب خلق الحياء؟ مجموعة كبيرة من أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تؤكد مدى أهمية التحلي بهذا الخلق الحضاري الرائع، وخسارة من يفتقده في حياته وأثره على الآخرين: “إذا لم تستح فاصنع ما شئت”. فالذي لا يهمه التأدب مع المحيطين به في البيت أو الشارع أو العمل أو المدرسة، ويمارس كل السلوكيات التي يتوهم أنها سترفع من شأنه عند الغير، أو أنها تميزه عن أنداده سواء في الملبس أو الحركات أو الألفاظ أو السماعيات، فهو إما أنه يجهل مدى تحديه لمشاعر وأخلاقيات مجتمعه، وربما أقرب الناس إليه كالوالدين والأقارب، أو أنه يفعل ذلك بسبق إصرار وعمد؛ لاعتقاده أنه يمارس حقه الفطري في الحياة، وأن هذا شأن شخصي بحت، ولكن هل يمكن للمجتمع والمحيطين بالفرد ممارسة دور ما في تحجيم أو منع هذه السلوكيات الشاذة والممارسات السلبية الصادرة عن بعض أفراده، وهل يحق للمؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام القيام بدور فاعل في هذا الاتجاه؟