في صباح ميلاد عرسي، عبر الموت مدينتي بلا خجل، زقته سيارة لا تشبه سيارة زفافي البارحة. أصابع وراحات النساء الرقيقة التي أطلقت في فضاء حينًا رائحة الخبز والدخان المعشوق خرت مغشيًّا عليها حين عبر الموت لحظتهم بصعقة لا شبيه لها في الذاكرة. ومنذ أن ولدتني أمي أثنى جميلة، كانت حكاياتها وحكايات جداتي ذاكرة للحياة والحب والله والإنسان. ما أجمل ليلة عرسي البارحة، بكل تفاصيلها حتى المملة منها. لم نشم أبدًا فيها أنا وزوجي ومدينتنا الصامتة -إلا من التاريخ- رائحة للموت دسها عفريت من الأنس. وعلى عادتها ودعت مدينتنا صمتها اليومي بصوت المآذن: الله أكبر.. الله أكبر.. لا إله إلا الله. وجاءت من أقصى المدينة سيارة تسعى. هشمت جسدًا لصبح لما يشرق، وجسدًا لجندي ينتظر كسرة خبز وعلبة فول، هي كل ما يتكئ عليها جسده المتواضع في نهار يسوق القيظ بامتياز.