أعدت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (أيسيسكو) استراتيجية شاملة لتطوير العلوم والتكنولوجيا في البلدان الإسلامية منذ قرابة العامين، وقت انعقادها في العاصمة الأذربيجانية باكو، وقد راعت المنظمة في استراتيجيتها طبيعة العديد من البلدان الإسلامية كبلدان نامية تسعى إلى تحقيق التقدم العلمي والتكنولوجي وتسخير نتائجه من أجل رفاهية مجتمعاتها. غير أن كثير من تلك البلدان تعاني من ضعف البنى التحتية العلمية والتكنولوجية، ونقص التدابير المرتبطة بالسياسات، وغياب المعرفة اللازمة لاكتساب القدرات التكنولوجية، وشح الموارد المالية، وانعدام الدعم، وغياب التعاون والتنسيق متعدد الأطراف في مجال التنمية التكنولوجية، وهو الأمر الذي جعلها تتخلف عن ركب التقدم العلمي التقني الذي يشهده العالم حاليًا. تعزيز التنمية وتأسيسًا على ذلك صاغت المنظمة آليات لتنفيذ تلك الاستراتيجية تراعي دواعي كل مرحلة على حدة، وتصبو إلى تعزيز التنمية العلمية والتكنولوجية وإلى بناء القدرات الذاتية في البلدان الإسلامية المختلفة. كما حرصت أن تعالج آليات التنفيذ المشكلات والتحديات، وتتيح الفرص لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية في البلدان المعنية، لتعبر نحو مستقبل منشود. كما حرصت على أن ترتكز على مقاربة واقعية وكلية شاملة، تقوم على التنمية المستدامة للعلوم والتكنولوجيا في كافة الميادين الرئيسة، مع إعطاء الأولوية للمجالات ذات الأثر المباشر على التنمية الاجتماعية والاقتصادية لدول المنظمة. وترتكز الخطوط العريضة لآليات التنفيذ التي وضعتها منظمة “أيسيسكو” على بعض النقاط المهمة، منها تجديد التزام الحكومات بزيادة دعمها للتنمية العلمية والتكنولوجية، وتعزيز نظم تدريس العلوم والتكنولوجيا، وتنمية الموارد البشرية طريق التكوين الجماعي، والنهوض بالبحث والتنمية من أجل بناء القدرات التكنولوجية، وتأسيس جهاز استشاري إسلامي للعلوم، وتسخير تكنولوجيا المعلومات والاتصال الجديدة، والعمل على التنسيق والتعاون من أجل تحقيق الأهداف المشتركة، واستغلال الموارد الطبيعية وحماية البيئة. دافع جديد وترى المنظمة عبر ما وضعته في استراتيجية تطوير العلوم والتكنولوجيا في البلدان الإسلامية، وآليات تنفيذها، أن تلك الآليات ستعطي دافعًا جديدًا للجهود المبذولة حاليًا من أجل الارتقاءبفاعلية المنظمة الإسلامية التي انطلقت في بذل جهود حثيثة لتحقيق أهدافها، غير أن هذه المهمة التنموية الجبارة تتطلب من كل بلد إسلامي على حدة أن يحدد دوره في هذه العملية، ويسهم في الجهود الجماعية، على حد رأي المنظمة في استراتيجيتها وآليات تنفيذها. فقد حثت المنظمة الحكومات الأعضاء على تجديد التزام بزيادة دعمها للتنمية العلمية والتكنولوجية، واعتبرته ضمن التزامها الوطني وإرادتها السياسية الجادة، وطالبتهم بتوفير الدعم المالي الكامل من قبل الحكومات، من المطالب الضرورية لترسيخ البنية العلمية والتكنولوجية. وبناء على ذلك أوصت المنظمة الدول الأعضاء باتخاذ عدد من التدابير المهمة، منها اعتماد الهيئات التشريعية في كل دولة عضو لقرار يحدد بوضوح دور العلوم والتكنولوجيا في تحقيق أهداف تنموية تُحَدَّدُ بجلاء حسب برنامج زمني دقيق، علاوة على التزام الدولة بضمان تقيد كل المعنيين بالأمر تقيدًا شديدًا بالخطوط التوجيهية المرتبطة بالسياسات. وإعراب الدول الأعضاء عن التزامها الأكيد بتخصيص نسبة 1% على الأقل من ناتجها القومي الإجمالي للنفقات على تطوير العلوم والتكنولوجيا. وفي حالة تعذر تحقيق هذا الهدف فورًا، يمكن لكل دولة أن تقوم بتحديد الأجل الذي يلائمها لتحقيق الهدف ذاته. كما يتعين إشراك العلماء والتكنولوجيين في صنع القرار على الصعيد المركزي وفي عمليات التخطيط الوطني التي تقوم بها الدول الأعضاء، وذلك من أجل تعزيز نظم الدعم ذات الصلة بتطوير العلوم والتكنولوجيا. كما يجب على كل دولة عضو أن تجري تقييمًا دوريًا منتظمًا لوضعية نظامها العلمي والتقاني للتعرف على أهم نقاط الضعف التي تعوق تطور العلوم والتقانة بها، وكذلك لتحديد الموارد الضرورية للتنمية وللرفع من مستوى البنى التحتية العلمية والتقنية. كما يتوجب عليها تأسيس هيئات ولجان علمية وتقنية ذات مستوى عالٍ، تختص بإدخال السياسات الجديدة ذات الأمد القصير أو البعيد في مجال البحث والتنمية، وفي تحديد الأهداف العلمية والاقتصادية ذات البعد الاستراتيجي، وكذلك إعلاء مكانة العلماء والمهندسين والفنيين في كل دولة عضو من خلال الزيادة في تشجيع إنجازاتهم والعمل على تكريم العلماء والمهندسين في حقل البحث والتنمية على الصعيد الوطني. نقلة تعليمية كما شددت الاستراتيجية على ضرورة تعزيز كافة النظم التربوية في البلدان الإسلامية، انطلاقًا من مرحلة التعليم الأساسي ووصولًا إلى مرحلة التعليم العلمي والتقني الأكثر تخصصًا. ففي غياب استثمار ملائم في القطاع التربوي، لا يمكن أن يُدِرَّ الاستثمار في القطاعات الأخرى إلا النزر اليسير من الأرباح. ويتطلب اللحاق بركب البلدان المتقدمة في ميدان محو الأمية القيام على وجه الاستعجال بتعزيز الاتجاه نحو توفير التعليم الأساسي للأطفال والشباب والكبار. ومن جهة أخرى، يتطلب إعدادُ الكوادر الكافية من الخبراء العلميين والتكنولوجيين المؤهلين من منظور التنمية المستدامة، تكثيفَ تدريس العلوم المتقدمة على المستويات كافة، ووضعت عليها التزاما بتحقيق نسبة 100% من محو الأمية بحلول عام 2020م، على أساس تقويم واقعي للظروف التي تعيشها. وقد أشارت استراتيجية “أيسيسكو” إلى أن تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية وتمكين الشعوب من مواكبة التقدم العلمي عبر العالم، يرتهنان بوجود قاعدة معرفية علمية؛ لذا يتعين تعزيز المعارف العلمية والتكنولوجية من خلال تعميم البرامج المختصة وتكثيف الاستثمار. وتعزيز الجامعات والكليات التي تمثل في واقع الأمر محركًا من محركات التنمية خاصة من خلال إعدادها وتأهيلها للأطر والعاملين في مجال البحث، وذلك وفقًا للحد الأدنى من متطلبات شعوب الدول الأعضاء، كما ينبغي إنشاء كليات علمية وتقانية جديدة من أجل إتاحة فرص أكبر لمتابعة الدراسات العليا. توفير المهارات كما أوصت المنظمة بضرورة إنشاء مؤسسات تقنية جديدة في كل بلد عضو من أجل إيجاد عمالة مؤهلة تتوفر على المهارات المطلوبة، معتبرة أن الفنيين المؤهلين هم القلب النابض للنشاط التكنولوجي، وطالبت أيضًا بوضع نمط من التكوين المتضافر، يضم مراكز التكوين ومعاهد البحث والقطاع الصناعي والشركات الخاصة. وأشارت الاستراتيجية إلى دور المرأة في الدول الأعضاء في تنفيذ آلية التطور المستهدفة، وضرورة توفير التسهيلات المتكافئة لها، وأكدت على ضرورة تطوير استراتيجيات خاصة بتشجيع المشاركة الفاعلة والعريضة للعنصر النسوي في مختلف المجالات الأكاديمية والعلمية وفي مؤسسات البحث وعلى مستوى مراكز اتخاذ القرار، إضافة إلى تدعيم تكافؤ فرص التعليم والتكوين والتدريب والترقية أمام الفتيات والنساء. فيما ألزمت المنظمة نفسها بتأسيس جهاز استشاري إسلامي للعلوم، يقوم بإسداء المشورة المختصة والخبرة الملائمة في سبيل حل مشكلة التنمية الشاملة للعلوم والتكنولوجيا في بلد ما. على أن يتكون الجهاز من علماء وتكنولوجيين ومهندسين وأرباب صناعات ومخططين مرموقين وفاعلين ونشطين ينتمون للدول الإسلامية ويمثلون سائر التخصصات. ويضطلع الجهاز بإسداء المشورة للدول الأعضاء بشأن تنفيذ استراتيجية تطوير العلوم والتكنولوجيا، لاسيما في ما يخص تطبيق التكنولوجيا المتطورة ذات الصلة بالتنمية الصناعية. ويتعين على الجهاز العلمي الاستشاري أن يتابع عملية التنفيذ في كل بلد ضمانا لتنفيذ التوصيات المحددة بكل أمانة وحسب البرنامج الزمني المحدد. جهاز أخلاقي ونصحت الاستراتيجية بضرورة إنشاء مجموعة هندسية إسلامية للاستشارة تتولى تقديم المشورة والتوجيه في قضايا التكنولوجيا. كما تضطلع المجموعة بتكوين الموارد البشرية وتوفيرها في المجالات العلمية والتكنولوجية، وتدعم عمليات نقل التكنولوجيا ونشرها في أوساط الشركات المتوسطة والصغيرة. كذلك تساهم المجموعة في نشر العلوم والتكنولوجيا ودعمهما من خلال الاشتراك في عمليات التخطيط والبحث والتصميم والتحليل والتجريب والتقويم في ميادين العلوم والتكنولوجيا، وكذا من خلال الاستشارات ذات الصلة. كما طالبت “أيسيسكو” بإنشاء جهاز أخلاقي إسلامي، في ظل التطورات السائبة وغير الموجهة التي تشهدها مختلف المجالات العلمية، وبخاصة الهندسة الوراثية، تشكل مخاطر جمة للمجتمع الإنساني بعامة والمجتمع المسلم على وجه الخصوص، وعليه يتعين إنشاء جهاز إسلامي مختص بالقضايا الأخلاقية يكون مشكَّلًا من الفقهاء والعلماء والباحثين للتدارس بعناية في تطبيقات التقانات الحديثة وآثارها على المجتمع من وجهة نظر الأخلاق والشريعة، وإصدار التوجيهات الضرورية ونشرها. وإضافة إلى هذا ينبغي إدماج القيم الأخلاقية الإسلامية وضوابط المسؤولية الأخلاقية لرجال العلوم في مقررات التعليم والتدريب لكل العلماء.