أنظار العالم أجمع متجهة طوعًا أو فضولاً أو تلصصًا صوب جنوب إفريقيا، لتظفر أو تتابع أو تنغمس مع مونديال كأس العالم 2010 المقام هناك، وليس لأن الحدث يبدو مختلفًا بالطبع؛ لا فهو متكرر كل أربعة أعوام منذ عام 1930، ولكن لأن هذا الحدث حط رحاله هذا العام في إفريقيا لأول مرة منذ أن أقيم. وبعيدًا عن كل هذا وما كان قبل تنظيم المونديال، وكل ما لم يحدث في أثناء تنظيمه هذه الأيام برغم كل تلك الشكوك والتخوفات. إلاّ أننا بحاجة إلى قراءة «مونديالية» جديدة وبعيون ثقافية بعيدًا عن الجوانب الرياضية أو الاقتصادية التي هي ركيزة المونديال بالدرجة الأولى، وهنا تتسع رقعة الحديث عن جوانب أخرى تتعلق بالمونديال من وجهة نظر ثقافية، وتعود أسباب ولوجنا في هذه القراءة إلى وجود المونديال في قارة جديدة خلاف القارات التي اعتاد على الوجود فيها طيلة مسيرته، ولما يحمله البلد المنظم من تمازج ثقافي، وتماهي عرقي استطاع مهندسه الأول نيلسون مانديلا أن يبهر العالم به، وبنية حديثة مستمدة من الواقع والتراث الإفريقي. كل هذا يجعلنا نقف اليوم لنقرأ المونديال بعيون ثقافية، وبعقول مثقفين يحرصون على متابعة هذه الظاهرة الكروية المتكررة كل أربعة أعوام، فكونوا معنا عبر هذه القراءة.. ثقافة الفوفوزيلا بداية يرى الناشر والروائي عادل الحوشان أن العالم بعيدًا عن القتال والحروب والقتلَة، بعيدًا عن السياسيين والملفات، المدن الكبيرة والحشود وحركتها، كيف يمكن أن تحضر ثقافة ما رغمًا عن الأنظمة والمنظمين (الفوفوزيلا)، وهو ما يمثل هذا البعد الثقافي لهذا المونديال. ويضيف: فالإنصات إلى الخارطة الثقافية الجنوب إفريقية حاليًا وطنين هذه الآلة كما يمكن أن تكون الغابات والحياة الطبيعية، مجرد التركيز على آلة النفخ العظيمة ستجد نفسك تحت الظلال. ويرى أنه في كل مرّة يقام فيها كأس العالم يصبح المشهد أكبر بكثير من كرة قدم رغم متعتها التي لا تضاهى، يصبح المشهد كاملاً بدل النقصان الدائم وسط منافسات الاتحادات والمنظمات السياسية والأحزاب التي ترتكب حماقات كبرى ضد البشرية وضد حياة الإنسان. المغنية الرئيسية لكأس العالم كانت الكولومبية «شاكرة مبارك» التي كتب عنها غابريل غراسيا ماركيز أجمل مقالاته الصحفية، وهذا يكفي لنجد سبيلاً يجمع بين الثقافة (الكتابة والفن) والرياضة. ويتابع الحوشان حديثه مضيفًا: تظاهرة مثل كأس العالم هي عبارة كاملة عن حريّات العالم لا يمكن حصارها، فالاستفادة ثقافيًا من هذا التجمع الكبير يمكن أن تكون بقراءة هذه الثقافة سوسيولوجيا، وأن نمعن البصر في الصورة المكبّرة للشعوب وفي وقت محدد، هذه العدسة الأهم التي يجب أن تعمل وقتها، ثم لكلٍ دوره. والحوشان لا يتابع الأدوار الأولى من هذا المونديال بل ينتظر «التصفية» ويقول: بعد خروج الأحجار الصغيرة من الثقوب، أجدني دائمًا أميل إلى الطرف الأضعف لكنني استمتع بالفرق العريقة بلا تعاطف معها، ومتابعتي ربما لمنتخب البرتغال بسبب لويس فيغو سابقًا، وربما تكون لمنتخب أسبانيا. تصميم حداثوي ويشارك الناقد عبدالرحمن المالكي بقوله: قراءتي الثقافية لهذا المشهد المونديالي الجنوب إفريقي تنطلق من كون هذا البلد ليس بلدًا أفريقيًا عاديًا، فهو يتصدر الدول الإفريقية اقتصاديًا، حتى أن بنيته التحتية متطورة، ومؤسساته راسخة، وصحافته حرّة، وطبقته الوسطى واسعة ومُتعلمة، ونخبته الصناعية والثقافية منفتحة على العالم. وبالجملة فإن مشاعر الفخر الوطني في جنوب إفريقيا عارمة. ورمز الفخر هذا نيلسون مانديلا. ويرى أنه منذ أن نالت جوهانسبيرغ امتياز استضافة كأس العالم، بدأت تسري في جنوب إفريقيا حمى الانتظار والترقب. ومع انطلاقة هذا الحدث أصبحت الشوارع ممتلئة بالزائرين، وصخبهم وضوضاؤهم منتشر في كل أرجاء المدينة كما أن الأعلام والألوان منتشرة في كل مكان، وإضافة إلى ذلك صخب الملاعب المزدحمة والحفلات والفرح الشعبي. فشيء من الفرح الذي تبعثه كرة القدم بلغ جنوب إفريقيا، وهو ما يمكن أن يمكن أن ينعكس ثقافيًا أيضًا على المجتمعات أو الأعراق المجتمعة هناك إذا ما أستغل جيدًا. ويعد في نظره تصميم ملعب جوهانسبيرغ الذي يحمل شكلاً حداثيًا جديدًا وهو يحاكي في هندسته شكل ثمرة الكرنيب الأفريقية لون ثقافي فيما يتعلق بالتصميم العمراني والبعد الجمالي والثقافي لهذا التصميم. ويؤكد على أهمية البعد الجمالي المتمثل في التصاميم العمرانية للملاعب أو الفنادق أو الأماكن السياحية المعدة سلفًا لهذه البطولة، فهو الفكرة الكبيرة التي يفترض أن تضفي الجانب الثقافي على المونديال والتي يمكن أن تحظى بالاهتمام والقراءة والمتابعة على غرار ما تحظى به مباريات المونديال. حاجة للانتصار أما الشاعر غرم الله الصقاعي فيرى أن إمكانية اجتماع الجميع على هدف واحد يحقق لهم المتعة والجمال دون السعي لمحاولة إقصاء الآخرين ونفيهم بل التحاور معهم والمشاركة معهم مع البقاء للأصلح الذي يمكن أن يكون هو الأقوى بما أعده لنفسه من إمكانات وقدرات بالإضافة إلى فهم أهمية التمثيل للأوطان بالأجدر والأفضل والسعي للتمثيل المشرف لكل الأوطان من خلال أبنائها وتقديم الصورة المشرفة لأوطانها، ويضيف بأن كأس العالم تظاهرة رياضية ثقافية الجميع ينتظرها كل أربع سنوات لنشاهد أين وصل الجميع في الاهتمام بالإنسان وتحقيق المتعة والتنافس وأين وصلوا من تقدم وتطور الرياضة هنا عنوان لفعل ثقافي كبير يجتمع حوله الجميع. ويعتقد أن التشابه بين طريقة لعب هذه الفرق والمنتخبات مع ثقافتها وما تحمله من موروث ثقافي يصل إلى حد كبير ولعل في بعض التشبيهات للفرق بفنونها أو بما يميزها هو دليل واقعي إلى الانتماء الحقيقي للتميز لكل فريق وبالتالي كل بلد مشارك، وطريقة اللعب هي طريقة حياة فنشاهد السرعة لفرق والبطء لأخرى وذلك متزامن مع سرعة التقدم والتطور لتلك البلدان وكذلك الاهتمام بالفرد وتعليمه وتثقيفه. وبظنه أن الاستفادة ثقافيًّا من هذا التجمع الكبير حاصلة في كل تجمع ولعل للمملكة مشاركات مثمرة في هذا الجانب للتعريف بالوطن وعقيدته وانجازاته ونحن كغيرنا نسعى لبيان الصورة الحقيقية للأوطان من خلال ما ينجزه الشعب. ولذا تسعى كل الدولة للمشاركة بفنونها وثقافتها وتسويق ثقافتها في مثل هذا التجمع الذي يعتبر التجمع الأشهر والاهم في العالم. ويتابع الصقاعي المباريات المنقولة بعيدًا عن التشفير وأما المنتخب الذي يحرص على مشاهدته الحقيقة فبحكم أن تشفير المباريات لا يمنحنا فرصة الاختيار لذا أنا أشجع من يفوز لحاجتي للانتصار.. لكني أطرب للبرازيل.. وانضباط شرق آسيا.. وعنفوان إفريقيا.. واقتصاديات الرياضة في أوروبا.. وأتعاطف مع العرب ومع هذا أتمنى فوز الأحق والأكثر إمتاعًا للجماهير. والأكثر إخلاصا للكرة والرياضة والجمال. الثقافة الغائبة ويوضح الشاعر أحمد البوق أن أجندته الصيفية يذهب جزء كبير منها لمتابعة المونديال، فهو يرى أن متابعة كرة القدم بحد ذاته ثقافة، فكرة القدم وخاصة في المونديال تمثل ثقافة شعوب وهي إفراز لثقافة مجتمع، فأنت تقرأ المباريات إذا كانت مثيرة أو قوية فتجدها تمثل ثقافة مجتمع وحتى طريقة اللعب كونها تختلف من مكان لآخر ومن قارة لأخرى فهي تعطي بعدا ثقافيًا، وبالإضافة إلى ذلك تجد الاختلاف في الطبيعة والتركيبة الجسمانية فكل ذلك يمثل ثقافة أي مجتمع، وأرى أن هذه اللعبة مع كونها متعة شعبية، ومتعة جماهيرية فلها -كما قلت- بعد ثقافي آخر، والشخص المثقف ينظر إلى هذه اللعبة على أنها نتاج ثقافة مجتمع وكأنك تقرأ المجتمع من خلال الخطط والأداء والإمتاع. ويضيف بأن المشجعين كذلك يعكسون شيئًا من هذه الثقافة فهذا المهرجان الكروي له أبعاد ثقافية يجب أن يقرأ ما خلف الكرة، لذلك دائمًا ما أحب أن أتابع ما وراء المباريات. المونديال حضاري وتؤكد القاصة السورية ابتسام شاكوش أن الحضور الثقافي في المونديال سيكون كبيرًا إلى جانب المهرجان الرياضي الكروي، وخاصة في ظل هذه الكثافة البشرية المتعددة والمتنوعة العروق والشعوب والأفكار والثقافات والمبادئ، فالجميع سيأتي جنوب إفريقيا يحمل معه ما لديه من ثقافات، ورؤى منهم بالفطرة، ومنهم بالاكتساب، ومنهم من خلال حياتهم وطريقة عيشهم، ومنهم من خلال علومهم وتأثرهم بها، ومنهم من خلال ديانتهم التي يؤمنون بها، ومنهم من خلال بيئتهم وتأثرهم بها أيضًا وستمتد بالتأكيد جسور من التواصل والتعارف والمعرفة بين مختلف الشعوب والبلدان المشاركة، فهي فرصة لأكبر انخراط بشري متنوع متعدد الثقافات، وسيقوم الجميع بالتعبير عن ثقافته وحضارته بدءًا من طريقة اللباس ونوعه، وعلاقة ذلك وارتباطه ببيئة كل شعب بالإضافة إلى طريقة التشجيع من قبل المشجعين، والهتافات والأغاني والموسيقى التي سيشجعون بها فريقهم. وتضيف: إذا أردنا تكبير الصورة لهذا الملتقى الكبير؛ فإنّ البعد الثقافي سيأخذ مداه الأوسع والأرحب إن أقيمت الندوات، والمعارض والأسواق التي تخص كل شعب على حده، أو إن كانت شاملة ومتعددة وتضم جميع الشعوب التي ستعبر عن نفسها وحضارتها وبيئتها وأهدافها، فالبعد الثقافي لهذه البطولة يكمن في مستوى المهرجانات والملتقيات والفعاليات التي ستقام ومن خلال تنظيم الأرضية الثابتة لذلك. وتبين أنه برغم تواجد وحضور العرب المسلمون ضعيف من خلال منتخب (الجزائر) فيجب أن نستغل هذه الفرصة للتعريف بحضارتنا وثقافتنا العربية والإسلامية، وذلك من خلال إقامة شاشات عرض كبيرة في أماكن المهرجان الكروي والفعاليات الأخرى. نعرض فيها أهم المقدسات الإسلامية (مكةالمكرمة – المدينةالمنورة – القدس الشريف) وأهم القلاع والحضارات والمعالم الأثرية بالإضافة إلى إقامة معارض للكتب، والفنون التشكيلية التي تعبر عن عراقة وأصالة تراثنا العربي، وتوزيع كتيبات بعدة لغات وخاصة الإنجليزية تنشر صورة الإسلام الحقيقية، وصور من حياة الرسول الكريم محمّد صلّى الله عليه وسلّم وصور من أخلاقه العظيمة الشريفة، وقصص متميزة من تاريخنا العربي والإسلامي، بالإضافة إلى توضيح نظرة العرب والفكر الإسلامي للمرأة، فكما يقوم المتطرفون بتشويه الحضارة العربية والإسلامية، وصورة الرسول الكريم محمد صلّى الله عليه وسلّم. وعلينا أن نغير هذه النظرة ونعلن للناس أجمع (وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين) بالنصيحة والتواصل والعمل. فنعطي لثقافتنا البعد الحقيقي والصادق المشرق لها. فهي فرصة لا تعوض. وترى أنه قد لا تظهر آثار الثقافة وموروثاتها في طريقة لعب اللاعبين بسبب المجال الضيق في المباراة للتعبير عن ثقافة كل فريق. فالفريقان في ساحة الميدان للعب والفوز ولكن.. ستظهر حتمًا بعض الفواصل والنقاط في بعض المباريات قد تؤثر سلبًا أو إيجابًا على ثقافة المشاهدين ونظرتهم لهذا الفريق وذلك مثل (أخلاق اللاعبين الحميدة في التعامل مع إصابة أحد لاعبي فريق الخصم، وحالات الضرب والشتيمة، والصبر والعناد في المباراة، واللعب بقوة واستبسال وشجاعة حتى آخرها لنيل الفوز). ولا تعتقد شاكوش أن تظهر الموروثات الثقافية أو تتشابه أو تتجلى بأكثر من ذلك عند كل فريق. وتختم شاكوش بالإشارة إلى أن متابعتها للمونديال ومبارياته تأتي بحسب ما تسمح الظروف، بجانب حرصها على أهم المباريات، وخاصة مباريات المنتخب العربي الوحيد (منتخب الجزائر) والذي كنا نشجعه لآخر مباراة له مع المنتخب الأمريكي، كما أنها ستشجع منتخب الأرجنتين ثانيًا مع حبها لمشاهدة وتشجيع اللعب النظيف عند أي منتخب.