لفت انتباهي عند قرائتي لبعض المؤلفات الحديثة ومنها مؤلف للأستاذ: عاتق البلادي رحمه الله في كتابه بين مكة واليمن، ومؤلف للاستاذة الباحثة سميرة مبارك بلسود بعنوان موانئ تهامة الجنوبية قولهما بأن أول اشارة تاريخية ذكرت للليث في المصادر التاريخية ماجاء به المؤلف :- شرف البركاتي في كتابه الرحلة اليمانية والذي ألف في عام 1329ه عندما قام بتوثيق رحلة الشريف / حسين والي الحجاز في تلك الفترة من أجل القضاء على فتنة الادريسي ومروره بالمناطق الجنوبية الساحلية عن مكة بسبب سهولة طبيعتها وملائمتها لحركة الجيش وحتى وصوله الى جبهة القتال حيث لاقى جيش الادريسي عند ضواحي قرية قوز ابوالعير جنوب القنفذة ، والحقيقة أن هذه المعلومة ليست صحيحة فالشريف شرف البركاتي هو آخر من أشار الى الليث من المؤرخين القدامى ومعلوماته التي اوردها عن الليث ليست الاشارة الاولى لذكر وبروز الليث على مسرح التاريخ فقد سبقه العديد من المؤلفين والمؤرخين القدامى الذين عاصروا بداية التمدن والاستيطان البشري في مدينة الليث ، فالليث كما يقول بعض الباحثين والمحققين ومنهم الاستاذ :- عبدالقدوس الانصاري رحمه الله صاحب مجلة المنهل وفي كتابه تحقيق أمكنة في تهامة والحجاز وصفها بأنها مدينة قديمة ربما طغى عليها اسم الوادي . والبلادي ايضًا أكد هذا الكلام باستنتاجه من أن الليث مدينة قديمة كونها مرفأ أوبندر تلاصق سيف البحر تسهل الاتصال لسكانها وسكان القرى المحيطة بها للاتصال بالعالم الخارجي ويرى أن السبب الذي أدى الى تهميشها واهمالها من فبل الباحثين والمؤرخين قيام وظهور ميناء ومدينة قديمة بجانبها من الجهة الجنوبية وهي السرين والتي أسرت شهرتها منذ ماقبل الاسلام وحتى نهاية القرن الثامن الهجري وهي الفترة التي ظهر وبرز وازدهر ثم اندثر فيها ميناء السرين ، فالليث في تلك الفترة كانت قرية صغيرة لصيد الاسماك ليس لها نصيب من الشهرة بسبب سطوع نجم السرين لأهميته السياسية والتجارية في تلك الفترة واذا قارنا هذا حديثًا لثبت ذلك بالمنطق فالوسقة وغميقة والشاقة مثلاً مراكز وقرى موجودة ومأهولة بالسكان وهي معروفة عند أهل المنطقة لكن ربما ليست معروفة على مستوى المملكة انما المعروف هو الليث فالليث بمكانتها الادارية والتجارية والتنظيمية غطت على هذه القرى الصغيرة فحدت من شهرتها ، لكن مع ذلك فهذا لاينفي وجود إشارات تاريخية قديمة عن الليث برجع بعضها الى أكثر من خمسمائة سنة ولعل أول من أشار اليها هو المؤرخ المكي تقي الدين الفاسي في كتابه العقد الثمين في تاريخ البلد الامين والذي الف في القرن التاسع الهجري وهو كتاب يؤرخ لأحداث وأعمال أمراء مكة في القرن التاسع الهجري حيث جاء في كتابه بأن أمير مكة كانت له مائتا غرارة مكية على الليث ويرسل أحد لجبايتها (والغرا رة هي ضريبة تقدر وتجلب من الامصار التي بها رواج وموارد اقتصادية ولاشك أن هذا المبلغ كان باهظ الثمن مما يدل على مدى التطور الاقتصادي التي اتسمت به الليث في ذلك العصر فنظرًا لخصوبة أرضها الزراعية ووفرة مياهها كانت تنتج بعض المحصولات الزراعية كالدخن والذرة والسمسم في تلك الفترة بكميات تجارية مما جعل امراء مكة من الهواشم يوجهون أنظارهم اليها ففرضوا عليها هذه الضرائب . كما يذكر العصامي في كتابه سمط النجوم العوالي في اخبار الاوائل والتوالي بأنه في القرن العاشر الهجري كان يوجد حصن مبني من الحجر قبالة مدينة الليث لحمايتها من مهاجمة الاعداء وهذه اشارة تاريخية ثانية تبز اهمية مدينة الليث كونها كانت ميدانًا للصراع للمتنافسين على ادارتها في تلك العهود الغابرة . كما ذكرالمستشرق جون لويس في عام 1198 بأن الليث اول منطقة تقابلك من الجنوب بعد جدة والطريق اليها صعب نظرًا لوجود العواصف الترابية وسكانه من حرب ، ومن عام 1218 – 1228 غطى العجيلي في كتابه الظل الممدود الصراعات والاحداث العسكرية التي دارت بين قائد عسير :- عبدالوهاب بن عامر المتحمي وهو امير على عسير معين وموالي للامام عبدالله بن سعود في عهد الدولة السعودية الاولى وبين قوات الشريف غالب الموالية للدولة السعودية احيانًا والمتمردة عليه احيانًا والتي دارت بينهما معارك ضارية منها معركتين في الليث الاولى برية والاخرى بحرية ولم يسدل الستار على هذه المعارك الا بعد معركة آدام والتي منيت فيها قوات الشريف غالب بهزيمة ساحقة وكان ذلك في عام 1228ه ، كما كانت الليث مقصدًا ومحطة يستريح بها الحاج اليمني فقد ذكر الحبشي في كتابه الرحالة اليمنيون بأنه في عام 1240 ه نزل القاضي والفقيه والرحالة اليمني ابن جغمان الليث في اثناء رحلته الى مكة لقضاء الحج عند الشريف احمد بن شنبر امير الليث في تلك الفترة حيث كان يرحب ويستقبل الحاج اليمني في تلك الفترة وتربطه علاقات وطيدة معهم وقابل عنده الفقيه والمحدث العتمي ووصف ابن جغمان الليث في تلك الفترة وذكر بأن فيها خمسمائة بيت وخمسين دكانا وجامع ومعظم سكانها من الحضارم ، ثم جاء بعده المؤرخ التركي سويلمز اوجلوا في عام 1298 ليؤكد بأن الليث ميناء مشهور يعد الفاصل بين الحجاز واليمن يقع على البحر الأحمر ونظرا لموقعه فإنه يعد انسب نقطة لنقل ودفع القوات إلى عسير وهو ميناء متشكل على هيئة قوس من الشعاب وعمقه كاف وله مدخل واحد فقط وهو في مأمن من كل أنواع الرياح وتستوعب ما بين عشر وخمسة عشر سفينة ويصف المؤرخ التركي صبري باشا حال ميناء الليث في العهد العثماني عام 1298 ه بقوله مرفا ليث له شهرة كبيرة بين مواني البحر الأحمر ويقع على بعد نصف ساعة من مركز ليث وفي الجهة الشمالية ولم تكن مباني هذه الدوائر الحكومية من الأبنية الحجرية أو الترابية إلى عهد أنها كانت عبارة عن كوخين من الأعشاب العادية فقط وخلال سنة 1305 ه صدر الأمر العالي من قبل السلطان (عبد الحميد) عالي المقام بإعادة تعمير الميناء المذكور على أساس أنه المدخل الملاصق للجزيرة العربية مباشرة لكونه في موقع مسيطر على كل المداخل فقد تم تأسيس دائرة حكومية فاخرة وجامع شريف وفرن ومدرسة ابتدائية ( مكتب صبيان) ولسانين ممتدين بالبر من جهة الجزيرة المذكورة للدفاع عن الميناء كما حفر خندق عميق متصل بالبحر ومبني فوق هذا الخندق و برج ذو خمسة أبواب قوية وهو محاط والحديث لباشا بحجر الزاج القوى ووسط هذا الخط مدخل طبيعي يستوعب دخول عشر سفن وهي في مأمن من الرياح وعمقه لا باس به ويقع الميناء في نقطة قريبة من موقع المعاملات يمكن أن يتحكم في منطقة عسير والحجاز ويسمح بتوسيع وتطوير المعاملات التجارية بين هاتين المنطقتين الوسيطتين . فكل هذه الاشارات تدل على قدم وماضي هذه المدينة العريقة والموغلة في التاريخ فكيف سقطت هذه الاشارات من متابعة ومراجعة واهتمامات هؤلاء الباحثين . هذا للتصحيح والتعقيب وللجميع تحياتي.