لا شيء مستبعد فيما يمكن أن تقدم عليه إسرائيل ضد الحكومة التركية التي يترأسها رجب طيب أردوغان كردّ فعل انتقامي لموقف أنقرة الشجاع ضد القرصنة الإسرائيلية الذي جعل العالم يقف لأول مرة وجهًا لوجه أمام الحقيقة العارية لإسرائيل كدولة إرهابية بامتياز، حتى أن ما صرح به قادة البنتاجون قبل فترة وجيزة من تلك العملية التي تحدّت فيه تلك الدولة المارقة العالم كله بأن إسرائيل باتت تشكل عبئًا أمنيًا على الولاياتالمتحدة وخطرًا مباشرًا على حياة الجنود الأمريكيين يشكل الخطوة الأولى في طريق فك ارتباط التحالف الاستراتيجي بين الدولتين والمؤشر الأول على انفكاك عقد الانحياز الأمريكي السافر مع إسرائيل، أصبح الآن تجسيدًا واقعيًا لتلك التصريحات لما يمكن أن ينجم عن تلك العملية الإرهابية من تداعيات سلبية على الحرب على القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق. يمكن العودة إلى الماضي غير البعيد لاستحضار واحد من السيناريوهات المحتملة، تحديدًا إلى عهد السلطان عبد الحميد الثاني عندما رفض التنازل للصهاينة عن فلسطين من خلال موقف بطولي شجاع لن ينساه له التاريخ. فقد جندت الحركة الصهيونية يهود الدونمة من خلال جمعية «الاتحاد والترقي» التي كانت تقع تحت سيطرة الماسونية للإطاحة بالسلطان عبد الحميد، وكل المؤشرات تذهب الآن إلى إمكانية أن يلعب الصهاينة الدور نفسه بتأليب المعارضة التركية ضد حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي يتزعمه أردوغان وتشكيل حكومة جديدة لا تجرؤ على تعكير صفو العلاقات التركية – الإسرائيلية، مهما ارتكبت إسرائيل من جرائم ومذابح إرهابية سواءً في البر أو البحر، وسواءً ضد الفلسطينيين أو غيرهم بما في ذلك الرعايا الأتراك. ما نشهده الآن من محاولة إثارة المعارضة التركية لموضوع المجزرة من خلال اتهام الحكومة بالتقصير في توفير الحماية للرعايا الأتراك يبدو ظاهريًا بأنه حرص على أرواح الشعب التركي فيما أن باطنه يحمل رائحة محاولات إسرائيلية للانتقام من أردوغان . الصراع الخفي على الساحة التركية الذي تديره الأصابع الإسرائيلية يتطلب مؤازرة عربية وإسلامية لهذا الزعيم التركي الشجاع لذي استطاع أن يفجّر الحقيقة ساطعة أمام العالم لرؤية إسرائيل على حقيقتها. المؤازرة المطلوبة تتمثل في اتخاذ الدول العربية التي تقيم علاقات مع إسرائيل على أي مستوى مواقف شجاعة ليس أقلها تجميد تلك العلاقات ورهن إعادة التطبيع بإنهاء الحصار على غزة.