هناك من يعتقد أنه ليس هناك مكان للأخلاق في عالم السياسة. فلكي تكون سياسيا ناجحا يجب أن تكون لا أخلاقيا وانتهازيا بامتياز. وهؤلاء هم الذين شككوا وما زالوا يشككون في دوافع الزعيم التركي العظيم رجب طيب أردوغان تجاه غزة وتجاه القضية الفلسطينية برمتها. ورغم أن هؤلاء يدعون كذبا الانتماء إلى الفكر الليبرالي الذي هو في حقيقته منحاز للفرد وللإنسان بوصفه قيمة مقدسة لا تستمد شرعيتها من أية أيديولوجية ، فإنهم استنكروا على رئيس الوزراء التركي هبّته لنجدة أهل غزة واعتبروا ذلك محاولة وكما قال أحدهم ل(سحب البساط) من تحت أقدام اللاعبين الآخرين في المنطقة! بالنسبة لي فإنني أعتبر أن السياسة لا تنفصل عن الأخلاق، وأن السياسي الذي لا يتحلى بحس أخلاقي هو مجرد نصاب يقوم بتوظيف مهاراته في خداع الناس لتحقيق مكاسب شخصية باسم مصالحهم . هذا النوع من السياسيين الانتهازيين لا يبقى في ذاكرة الشعوب، وإن بقي فإنه يبقى باعتباره رمزا لكل ما هو سيئ. أما السياسيون الشرفاء الذين يتحلون بالنزعة الأخلاقية فإنهم يرتقون إلى مصاف الزعماء التاريخيين والرموز القومية والإنسانية أيضا. الزعيم الهندي المهاتما غاندي كان واحدا من هؤلاء الذين تركوا بصمتهم على تاريخ شعوبهم وشعوب العالم كله، بسبب المنابع الأخلاقية التي كانت تنهل منها كل سياساته. ونفس الكلام ينطبق على الزعيم الجنوب أفريقي نيلسن مانديلا الذي أصبح رمزا لقدرة الإرادة الإنسانية العزلاء على مواجهة العنصرية المدججة بالسلاح. هناك أيضا رئيس الوزراء والزعيم الوطني الإيراني مصدق الذي حاول أن يتصدى لنفوذ شركات النفط الأجنبية في بلاده في أوائل الخمسينات، حيث اتخذ قراره التاريخي بتأميم شركة النفط الإنكليزية الإيرانية قبل أن تعود الولاياتالمتحدة إلى قيادة انقلاب أدى إلى الإطاحة بحكومته. وهناك أيضا الزعيم الفنزويلي هوغو تشافيز نصير الفقراء وحليف الشعوب المستضعفة. بالإضافة إلى الزعيم البوليفي إيفو موراليس الذي يقيم في غرفة واحدة ضمن منزل يشاركه السكنى فيه عدد من الأشخاص الآخرين. وبالمناسبة فإن موراليس يعتبر الرئيس الأول في تاريخ بوليفيا الذي ينتمي إلى الهنود الحمر أو السكان الأصليين للبلاد. هل هناك من لا يزال يشك في أن البعد الأخلاقي هو من يصنع زعامة الزعماء؟.