اعْلَم رَحَمك الله -عَزيزي القَارئ وعَزيزتي القَارئة- جنَّبكما الله الزَّلل، وضَربات القَارعة، وحَفظكما مِن كُلِّ شَرٍّ ومُدْلَهِمَّة وهَامَة، اعْلَمَا أنَّ المجتمع السّعودي يَلهث ويَسعى خَلف ثَلاثة حقول، كُلّها تَبدأ بحَرف «العَين»، فهَذا المجتمع لا هَمّ له إلَّا الانخراط إمَّا في «عُرس»، أو «عَزيمة»، أو «عَزاء».. ولا هَمّ له إلَّا التَّمحور والدَّوران خَلف هذه المُناسبات..! وسنَبدأ بحرف العَين الأوّل: وهو «العُرس»، ومِثل هذه المناسبة، تَكاد تَكون أسبوعيّة، وتُسمَّى أحياناً «فرحاً»، رغم أنَّها ليس لها مِن الفَرح أي نَصيب، فعندما تَلج قَاعة أفراح، لا تَكاد تُميّز هل أنتَ دَاخل «عُرس» أم «عَزاء»..؟! فالوجوه مُكفَهرّة، والحَواجب مُقطّبة، والجباه عَبوسة قَمطريرة..! ولا يُميّز قاعة الرِّجَال عن النِّساء؛ إلَّا أنَّ السَّعادة النِّسائيّة تَعاسةٌ واكفهرارٌ، مَمزوجٌ بمكياجٍ وعطر، أمَّا بالنّسبة لحضور العُرس، فيَتجاذبه طَرفان: «عَريسٌ» يُمثِّل على المجتمع والمدعوّين، مِن خلال التَّرحيب الكَاذِب بهم، وطَرفٌ آخر «مُجيب الدَّعوة»، والذي لا يَقل كَذِباً بإظهار الفَرح بالحضور..! وكم مَرَّة نَسمع أُنَاسَاً تَقول: إنَّا ذَهبنا لهذا العُرس لنُؤدِّي الوَاجب، أو أحدهم يَقول لصَديقه: سأذهب «لأورّيهم وَجهي».. أمَّا في الجَانب النِّسَائي فالحضور لا يَتعدَّى أن يَكون «استعراضاً» لماركات أصليّة أو مُقلَّدة، و«سخرية» تَنال مِن هذه أو تلك..! وهكذا يَبدو حَال المُجتمع، ما أن يَنتهوا مِن عُرس، حتَّى يَدخلوا في عُرسٍ آخر، بتَفاخُر وَاضح مِن البَذخ في الوَلائم، وتَطاول بَدوي في كِبَر القَاعة وارتفاعها، ويا ليتَ هَذا البَذخ، وتلك الأموال المُهدرَة، تَجلب السَّعادة، أو تُقرِّب الاستقرار، بل هي عَلى العَكس مِن ذلك، تَكاد تَكون أحد أسباب التَّعاسة والفراق، وتَسمين الهموم مِن جَرَّاء الديون، فالعريس عندما يتذكَّر الأموال التي دَفعها لعروسه، ويُقارنها بما جَنَيَ، يَجد أنَّه مغبونٌ في البيع، وأنه ضُحِكَ عليه، مِن خلال إهدار مَال كَبير على عُرس يَسير، لذا لا يَجد مفرًّا مِن إعلان الطَّلاق، ومَن يُلقِ نَظرة عَلى سجلَّات المَحاكم، وأضابير العَدل، سيُدرك أنَّ الطَّلاق أصبح هو السِّمَة الأساسيّة ل70٪ مِن مخرجات الزَّواج..! يا قَوم.. إنَّ حضور الأفراح في السّعوديّة، هو نَوعٌ مِن العقوبة المُؤجَّلة، فمَا أن تَدخل القَاعة إلَّا وتَرى وجوهاً كَالحة، عليها قَوافل الصَّمت، وتَعتريها سَحائب الإطرَاق والتَّأمُّل، فإذا نَظرتَ إلى اليَمين وَجدتَ رَجُلاً يَعبث بلحيته، وإذا التفتَّ إلى اليَسار، وَجدتَ شخصاً يَعبث بأنفه، وإذا نَقلتَ بَصرك إلى مَن هو أمَامك، وَجدتَ إنساناً يُعدِّل عقاله ويُوزن شماغه، ويُحاول أن يَظهر بشكلٍ لائق، وكأنَّه العَريس في تلك الليلة..! حَسناً.. مَاذا بَقي..؟! بَقي القول: إنَّ أفراحنا كأتراحنا، لا فَرق بين الوجوه في الحَالتين، فلا تَكاد تُميِّز العُرس مِن العَزاء، إلَّا مِن خلال كَلمات التَّرحيب، التي تُقال في مَدخل القَاعة.. وكُلّ عَام وأنتم في «عُرس»..!. [email protected]