* ضجة صحفية حدثت الأسبوع الماضي في واشنطن العاصمة الأمريكية بسبب استقالة الصحافية هيلين توماس والبالغة من العمر تسعين عاماً. الضجة ليست بسبب العمر كما قد يتبادر إلى ذهن البعض بل لأن هيلين هي عميدة صحافيي البيت الأبيض ولها من التاريخ المهني والجرأة التساؤلية الشيء الكثير الذي رسم لها صورة رائعة بين زملائها وزميلاتها من الصحفيين ومن مسؤولي البيت الأبيض. * تقول الأخبار: «إن استقالة هيلين بعد اعتذارها عن تصريحات لها في 27 مايو الماضي معتبرة فيها الإسرائيليين محتلين وعليهم الخروج من فلسطين... وان الفلسطينيين هم أصحاب الأرض... وعلى الإسرائيليين العودة إلى أوطانهم الأصلية إلى بولندا وألمانيا والولايات المتحدةالأمريكية وكل مكان أتوا منه» ورغم أن هيلين اعتذرت وأبدت ندمها على تصريحاتها فهي حسب قولها: «لا تعكس إيماني العميق بأن السلام سيأتي إلى الشرق الأوسط عندما تقر كل الأطراف بأهمية الاحترام والتسامح المتبادل» رغم هذا الاعتذار إلا أن مجموعة صحف «هيرست» التي تعمل فيها هيلين أجبرتها ليس على الاستقالة فقط بل والتقاعد الأبدي من العمل الصحفي. * التاريخ الطويل العريض والمكانة المميزة لهيلين في داخل أروقة البيت الأبيض لم يشفع لها أن تخرج وتنهي حياتها العملية والمهنية بتقدير بل حرص مسؤولو البيت الأبيض على توجيه اللوم الشديد والتوبيخ لها، فعلى لسان روبرت غيبس الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض، وهو ما يشبه وزير الإعلام في الدول الأخرى، واصفاً تصريحات هيلين: «إن تصريحات هيلين توماس مسيئة وتستحق التوبيخ... وبالطبع فهي لا تعكس رأي الإدارة الأمريكية». * خبر آخر طيرته وكالة الأنباء العالمية يقول: «إن الجيش الأمريكي اعتقل جندياً أمريكياً ممن يعملون في العراق بسبب تسريبه لشريط فيديو عسكري». الشريط يظهر بوضوح إطلاق طائرة هيلكوبتر النار بتقصد على مدنيين عراقيين ومتابعتهم بدقة لقتل اكبر عدد منهم وإذاعته فضائيات عدة مما يؤكد القتل العمد من قبل طاقم الطائرة الأمريكية وإصرارهم على قتل أكبر عدد ممكن من المدنيين العراقيين الذين حاولوا الاختباء من طلقات الرصاص المنهمر فوق رؤوسهم.. كما يظهر في الشريط سيارة مدنية من نوع الأتوبيس الصغير وهي تهرب للاحتماء من نيران الهيلكوبتر بعد أن وضع فيها العراقيون مصابين لنقلهم إلى المستشفى من جراح إطلاق النار الكثيف من الطائرة... أحد أفراد الطاقم كان ينادي على المدنيين وكأنه يستحثهم للخروج لقتلهم وليكونوا أقرب وأوضح وأبرز له ولزملائه لصيدهم وكأنهم فئران أو حيوانات وعباراته «Come on».. يلا يلا يلا.. هيا اخرج.. بالبلدي بالطبع. * هكذا أحداث أجبرت كبيرة مراسلي البيت الأبيض على الاستقالة وإنهاء حياتها العملية وإهانتها بالطريقة التي حدثت... وتقديم جندي للمحاكمة بعد اعتقاله لمجرد تسريبه لشريط يظهر وحشية الجنود الأمريكيين لا يدل سوى على أن العقلية الأمريكية الرسمية ليس لها معايير إنسانية عادلة بل تعاني من شيزوفرنية سياسية تصنف البريء والمذنب حسب مزاجها وأن صراخها الدائم بحماية حقوق الإنسان ليس سوى بروباجندا لا أكثر ولا أقل.