طال الليل أو قصر فلا بد لشمس الحق أن تظهر، ولا بد لصولة الإصلاح أن تبقى رايتها عالية؛ حتى تتحطم أوكار الفساد بشقيه (المالي والإداري). كلنا يذكر تلك اللحظات التي ترقبها المجتمع كلُّه بفارغ الصبر، وأعني بها تسليم (تقرير لجنة كارثة جدة) لمقام خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، وبالفعل كان رئيس اللجنة المُشكَّلة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل في الموعد حين وضع ملف القضية بكل حمولاته بين يدي قائد مسيرة الإصلاح، وعندها تأوَّل المتأوِّلون، وظن الظانون أن مصير ذلك الملف متاهاتُ النسيان، ونسوا أنهم في زمن أبي متعب زمن الصراحة والوضوح، زمن الكلمة الصادقة، والحرية المنضبطة، والحق المُرتجع. ويوم أمس أصدر خادم الحرمين أوامره الكريمة الفاصلة الحاسمة بإحالة المتهمين في فاجعة جدة جميعهم إلى هيئة الرقابة والتحقيق، وهيئة الادّعاء العام كل فيما يخصه بعد استكمال قضاياهم من جهة الضبط الجنائي بهدف استكمال الإجراءات النظامية بحقهم مع المسارعة في ذلك، مع استكمال بقية المطلوبين الواردة أسماؤهم من قِبل الجهات المختصة في وزارة الداخلية، بالإضافة لفرز أوراق مستقلة لمن لهم علاقة غير مباشرة بالفاجعة، وممّا جاء به الأمر قيام (وزارة العدل) بالعمل على استصدار نظام متكامل للتوثيق يشمل الشروط اللازمة في كتّاب العدل وبقية الموثقين وتحديد اختصاصاتهم ومسؤولياتهم وإجراءات عملهم وطريقة محاسبتهم والعقوبات عن مخالفاتهم... وغيرها من الأوامر (الصارمة) التي جاءت في ثنايا الأمر الملكي. أعتقد أن (هامة الفساد) قد تلقت ضربة قاتلة بعد صدور الأمر الملكي، وأعتقد أننا نعيش اليوم (مرحلة مفصلية) في مسيرة الإصلاح ضد الفساد المالي والإداري، وهذا ما سبق أن ذكرته في مقالي (نخوة المعتصم.. إنذار بحجم الكارثة) إبَّان الكارثة، فممّا قلت «إن النتائج المرتقبة للجنة المشكَّلة.. ستكون -حال ظهورها وفضحها (الغاشِّين)- حدًّا فاصلاً، بين الفساد بشقيه -المالي والإداري- والصلاح الباعث على التنمية الحقيقية لما فيه خير الوطن والمواطن، وستُؤرِّخ لعهد جديد يبشر بمزيد من الشفافية والوضوح والانتصار للمبادئ والمُثل التي تعزز التلاحم بين الراعي والرعية»، وها هي النتائج تظهر مبشِّرة بعصر جديد يقف فيه المسؤول والمواطن صفًّا واحدًا ضد الفساد بأشكاله وصوره. يحق لكل مواطن شريف أن يفرح ويستبشر، ويرفع عقيرته داعيًا الله أن يحفظ خادم الحرمين، ويمده بتوفيقه؛ حتى يقف في وجه كل مفسد لا يرى إلاّ مصلحته مهما كانت نتائجها سيئة على الوطن والمواطن. هنا أجدها فرصة لدعوة المسؤولين كافة وزراء ومَن دونهم ليضعوا أيديَهم في يد قائد مسيرة الإصلاح حتى تمضي عجلة التنمية في بلادنا الغالية، وينعم المواطن بما وفرته له بلاده الكريمة، ويطمئن على حقوقه المُتوجبة له، فلا الشرع المطهر، ولا الأخلاق العربية الأصيلة، ولا المروءة، ولا حق الأخوَّة، ولا واجب المواطنة يرضى مثل هذه (الخيانات) بحق الوطن والمواطن مهما كانت المبررات، ومهما كانت المغريات. نعم هي صفحة فُتحت لمحاربة الفساد، ولن تُطوى بإذن الله، فما على المغرّدين خارج السرب إلاّ الانضمام للمسيرة قبل فوات الأوان، فمهما تواروا عن الأنظار، أو نأت بهم الديار، فلا بد لهم من عودة. فافرحي يا (عروس البحر)، وأمِّلي يا (رياض المجد)، واكتب يا تاريخ فصلاً جديدًا في مسير الإصلاح.. شكرًا لله رب (المطر)، وشكرًا لأبي متعب الذي أتعب الفساد.