شكل توافد العمالة الأجنبية وتغلغلها في المحال التجارية والمصالح العامة ظاهرة جديدة على بلد مثل العراق، في الوقت الذي يشهد المجتمع العراقي تدنيًا في المستوى المعيشي وتفاقم الفقر المدقع للبعض، فيما أشارت أرقام رسمية إلى استمرار ارتفاع معدلات البطالة، رغم قرارات منع استقدام هذه العمالة بشكل رسمي من قبل السلطات المحلية. وترجع أسباب زيادة العمالة الوافدة في العراق إلى تجنب العراقيين العمل في عدد من المهن لأسباب اجتماعية، وتدهور الحالة الأمنية في بعض المناطق، وقلة أجور العمل، الأمر الذي بات معه أرباب العمل يفضلون العمالة الأجنبية على المحلية لتجنب المشاكل التي قد يسببها العامل العراقي الذي غالبًا ما يرفض الانصياع لأوامر أرباب العمل. “المدينة” التقت بعامل أجنبي استقدمته شركة محلية للعمل في العراق، ليتفاجأ بعد قدومه بسوء المعاملة ورخص الأجور التي يتقاضاها شهريًا، وهو عكس ما كان يصور له قبل استقدامه. في بداية الحديث معه تتفاجأ بلكنته العربية الركيكة التي لا تكاد تعرف منها سوى بعض الكلمات التي يمكن لحنيفة سمسن إسلام، العامل البنغالي، أن ينقلها إلى مخدومه، فإسلام الذي لا يتعدى عمره (22)عامًا، أتى إلى العراق طلبًا للرزق ظنًا منه أنه سوف يجد السعادة بعد الوعود التي قطعها له مدير الشركة الذي استقدمه من بلاده الأم بنغلاديش، التي تعتبر واحدة من البلاد المصدرة لليد العاملة الاجنبية الى دول الشرق الأوسط والخليج ومنها العراق الذي بات له نصيب من هذه الثقافة حديثة العهد على المجتمع العراقي لاسيما بعد عام 2003. ويروي حنيفة ل “المدينة” الظروف التي قادته الى بغداد، قائلا: “قدومي إلى العراق كان محض كذبة بعد الوعود التي قطعها لي ولغيري من العاملين مدير إحدى شركات التشغيل، حيث وعدنا برواتب عالية تصل الى (700) دولار وهو امر أغراني من أجل ترك عائلتي والمجيء الى بلد يعيش ظروفًا أمنية صعبة”. ويضيف -وقد بدا عليه الندم -: “كنت أتخيل أنني سأجني الكثير من المال، لاسيما وأن أقراني حصلوا على فرص عمل في الخليج برواتب مغرية، وأفضل مما نحصل عليه بالعراق؛ لذا سأحاول ان أجمع مبلغًا من المال رغم قلة ما أتقاضاه (250 دولار شهرياً)؛ لكي أتمكن من الذهاب الى الخليج”. وعن أبرز الأماكن التي عمل فيها ببغداد، قال: “جئت الى بغداد منذ 7 أشهر، وخلالها عملت في 3 أماكن، اولها في صالة ديسكو في منطة الكرادة وبعدها عملت في مطعم صغير، وها أنا أعمل في شركة تجارية”، مشيرا الى ان ساعات العمل الطويلة والتي تصل الى حدود ال(14) ساعة يوميًّا جعلته يفكر في مغادرة البلاد. ولم تتوقف الاستعانة بالعمالة الاجنبية على القطاع الخاص، بل شملت أيضًا بعض المشروعات الحكومية؛ حيث تم مؤخرًا استقدام نحو الف عامل هندي للعمل في مشروع ماء الرصافة الكبير، إلا ان المتحدث باسم أمانة العاصمة، صباح سامي أكد أن “هولاء العمال هم من المتخصصين، وقد استقدمتهم الشركة الاجنبية المنفذة وليس الأمانة”. وزارة العمل والشؤون الاجتماعية كان لها رأي بالموضوع، فيقول المستشار الإعلامي للوزارة عبد الله اللامي إن وزارته لم تعط حتى الآن الموافقات الاصولية لاي شركة او جهة سواءً كانت اهلية او حكومية بأحقيتها في استقدام العمالة الاجنبية الى البلاد. وحول أسباب عدم السماح لتلك الجهات الاستعانة بالعمالة الاجنبية أكد اللامي ل “المدينة”: “نحن ندرك أن هناك ما لا يقل عن مليون ونصف مليون من العاطلين عن العمل، والمسجلين في مراكز ودوائر وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في بغداد وباقي المحافظات”. وأضاف إن “الوزارة تقوم بتدريب هؤلاء على مختلف الاختصاصات، لاسيما وان البلد مقبل على مشروعات أعمال تحتاج الى العمالة العراقية بالدرجة الاساس، وبمعدل قد يصل الى 5 ملايين من العاطلين الذين يعتبرون من الكوادر الوسطية والفنية التي تساعد على سد حاجة البلد”. وفيما اذا تقوم الوزارة بمساعدة العاطلين بإيجاد فرص عمل لهم، أجاب: “لدينا برامج اخرى تدعم العاطلين من خلال منحهم قروضًا ميسرة لتنفيذ مشاريع صغيرة والتي تقدر ب(100) الف مشروع، حيث تتراوح قيمة فتح المشروع بين7و 8 ملايين دينار”. وحول الاسباب التي تحول دون جلب العمالة الاجنبية للبلاد، قال اللامي: “هناك دراسة نقوم بها مع وزارة الداخلية واتحاد الصناعات وكذلك نقابة العمال من اجل وضع آلية معينة نستطيع من خلالها استقدام العمالة الاجنبية الى البلاد”. ويتم دخول العمالة الاجنبية الى البلاد غالبًا عن طريق شركات السياحة وتكون بشكل رسمي، الا ان انقضاء المدة القانونية لهؤلاء يجعل بقاؤهم في البلاد غير قانوني، الأمر الذي نجد معه تماهلاً من قبل الجهات الامنية في متابعة تلك الشريحة بسبب عدم وجود قانون واضح يبين آلية عملهم وضوابط اقامتهم في البلاد. ويشير المستشار في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، الى ان “العمل يجري مع الجهات الرسمية سواءً مؤسسات المجتمع المدني ووزارة المالية من أجل وضع ضوابط لتواجد تلك العمالة في البلاد”، مستدركًا بالقول: “يمكن للشركات او الأشخاص الذين يودون تشغيل عمالة اجنبية في منازلهم او شركاتهم مراجعة دائرة العمل والتدريب المهني التابع للوزارة من اجل استيضاح جميع الامور الخاصة بتشغيل العمالة الاجنبية في البلاد”. من ناحيته، يصف أحمد خضير، صاحب شركة، يعمل فيها عمال اجانب استقدمتهم شركات محلية، عملية استيراد العمالة الوافدة ب “تجارة الرقيق” أو “بيع اللحوم بالجملة”، ويقول ل “المدينة” إن “طريقة جلب تلك العمالة تحمل الكثير من المعاناة بالنسبة لهم، ابتداءً من استغلال صاحب الشركة الذي يستقدمهم من بلادهم؛ حيث يتم شحنهم بالوزن الى البلاد العربية وبعدها تبدأ رحلة التنقل الشاقة لهؤلاء العمال”. وأضاف: “يتم انتقالهم من شركة الى أخرى وفق مبدأ (السرقفلية - إخلاء السبيل) المعمول به في شراء المحلات التجارية على ان تكون عائدية ملكيته الى الشركة التي استقدمته الى البلاد”، لافتاً الى “أنه دفع مبلغ 800 دولار على الشخص الواحد لإخلاء سبيله”. ولا يخفي خضير ألمه من الطريقة تلك، قائلًا: “كنت أعتقد ان عملية بيع بشر بهذه الطريقة ولت مع العصور الجاهلية؛ ولكني افاجأ بها تظهر من جديد في بلادنا التي تحمل لنا من المفاجأة الكثير”.