ما يزال عدد من ذوي المفقودين في كارثة جدة يعيشون بين أمل العثور على ذويهم المفقودين من جانب، وبين انتظار صرف “مليون الشهيد” من الجانب الآخر. وقال متحدثون ل “المدينة” إنه إلى الآن لم يتم البت بشأن تسليمهم مبلغ التعويض الذي تقرر صرفه لهم، رغم مراجعتهم المستمرة للجنة المختصة دون أن يجدوا أي جواب منهم أو يحددوا لهم الموعد الذي سيتم الصرف فيه، معللين بأن ذلك يرجع إلى حكم القاضي في ما يتعلق بصرف التعويض والمدة التي يجب أن ينتظرها ذوو المفقودين لحين صرف التعويض، ذلك أن مفقوديهم قد يكونون على قيد الحياة. وبالمقابل أكد رئيس المحكمة الجزئية بجدة الدكتور عبدالله العثيم أن حكم المفقود يرجع للقاضي عن طريق المحكمة، وهي التي تحكم في ذلك، موضحًا أن المدة الزمنية خاضعة للقضاء، وأشار إلى أن القاضي يأخذ أيضًا بما إذا كان ظاهر غيبة المفقود السلامة أو الهلاك، معتبرًا أن مفقودي السيول ظاهر غيبتهم الهلاك. لا أفكر في التعويض والد المفقود سعد قالط الجهني - 39 سنة - قال ل “المدينة” إنه لم يتم حتى اليوم العثور على ابنه، ولا يعلم ان كان حيًّا أو ميتًا، مشيرًا إلى أنه لم يتسلم أي تعويضات بحجة أنه لم تثبت وفاته جراء “سيل الأربعاء”، مضيفًا أنه طلب منهم أن يبحثوا عنه بغية العثور عليه، ولكن لم يطلب منه إلى اليوم التعرف على أي من الجثث المجهولة، وأكد أنه لا يفكر في التعويض بقدر ما يفكر في العثور عليه. في حين ذكر والد المفقودين سامي وزهراء علي الأهدل بأنه إلى الآن لم يحصل على شيء رغم متابعته لمعاملته لدى اللجنة بشكل مستمر، كما لم يتم في نفس الوقت العثور على ابنيه. ابني مفقود وحوّلوني للشرطة وأكد والد المفقود سلمان برناوي - 13 سنة - انه لم يطلب أي تعويضات غير انه فوجئ أثناء مراجعته بتحويله إلى الشرطة ليبدأ التحقيق معه حول كيفية وفاته، وأنه ربما يكون طامعًا في الحصول على التعويض، وبعد التحقيق معه ومع والدة سلمان اتّضح لهم أنه سبق أن ضاع في الحرم المكي قبل خمس سنوات؛ كونه أصم وأبكم، ويعاني من نوبات الصرع. وأضاف إن الشرطة اعتبرته مفقودًا في الحرم منذ ذلك التاريخ، وإن ما تقدم به بلاغ كاذب، فتم توقيفه وخرج بكفالة إلى أن يتم استدعاؤه. في انتظار حكم القاضي وذكر والد المفقود صالح علي القحطاني أنه ما يزال يبحث عن ابنه، ولم يصرف له أي تعويض كون المفقودين سيحكم القاضي في أمرهم، حسب إفادة اللجان المختصة، مشيرًا إلى أنه ليس له أي مطالب إلى أن ينتهي البحث عن المفقودين، منوهًا بأنه سيطالب بالتعويض لاحقًا بعد أن يتوقف البحث ويحكم القاضي. دفنت ابني ولم أصرفشيئًا بدوره حكي والد أحمد عزيز الفلاح معاناته منذ أن فقد ابنه والذي تم التعرف عليه من خلال مطابقة الجينات الوراثية وتم تسليم جثمانه له ليدفنه، إلاّ أنه لم يعط أي تعويض ولم يحددوا له أي موعد حتى الآن. المحتالون سبب التأخير وقال والد غسان فيصل العمري أنه عثر على ابنه بعد خمسة أشهر من الكارثة، وتعرف عليه بواسطة الحمض النووي (ال DNA) كون جثمانه تحلل، وتم دفنه قبل 12 يومًا، ولكنه لم يتسلم أي تعويضات كونه لم ينهِ أوراقه، معللاً التأخير بوجود مَن ادّعوا أن لهم مفقودين بغية الحصول على مليون الشهيد. شرعيون: حكم المفقود يرجع للقاضي وعن الرأي الشرعي أكد رئيس المحكمة الجزئية الدكتور عبدالله العثيم أن حكم المفقود يرجع للقاضي عن طريق المحكمة، وهي التي تحكم في ذلك. وعن المدة الزمنية ذكر بأنها خاضعة للقضاء ولها عدة حالات، وهنالك خلاف بين اهل العلم حولها، مشيرًا إلى أن القاضي يأخذ أيضًا بما إذا كان ظاهر غيبة المفقود السلامة أو الهلاك معتبرًا أن مفقودي السيول ظاهر غيبتهم الهلاك. وتحدث الأكاديمي الشرعي الدكتور محمود زيني قائلاً: الدولة تتكفل بصرف مستحقات المفقودين إن وجدت جثثهم، وإن لم يعثر عليها يتم الصرف لذويهم بعد التثبت من فقدهم وذلك بعد مدة معينة، وذلك يرجع لحكم القاضي ونظره في موضوع الصرف. وأضاف: إن المسؤولين في الدولة لن يتوانوا لحظة عن صرف التعويضات لمن قضى أجله في تلك السيول، وسيعملون على إنهاء جميع الإجراءات المتعلقة بصرف التعويضات وعدم حرمان أي شخص يستحق التعويض وثبت فقده لذويه، وأن حقه سيكون محفوظًا بحكم أن هذا الأمر جاء من خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- بصرف مبلغ المليون عن كل فرد راح ضحية الكارثة. ويقول د. سعود الفنيسان عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود: بالنسبة لما يتعلق بكارثة جدة والمفقودين فيها ينظر للإجراءات الرسمية من قبل ولي الأمر لأنها هبة وعطية وليست حقًا شرعيًّا ثابتًا لورثة المفقود لو كان ميتًا. وأشار إلى أن صرف المبلغ لذوي المفقود يتم البت فيه متى ما تبين أمره بالوفاة أو الحياة، وهذا أمر معقول وسليم لأنه لا يستحقه إلاّ بعد تحقق الوفاة، ومادام أنه مفقود فقد يظهر بعد زمن قصير أو طويل، ومن هنا يكون صرف التعويض في غير محله. قانونيون: مدة الأربع سنوات اجتهادية وليست ملزمة مع تطور وسائل الاتصال وقال المحامي والمستشار القانوني شاهر البركاتي أن المفقود يعتبر غائبًا، وفي الشرع هنالك حكم “المغيب”، وللقاضي أن يقدر متى يحكم على هذا الغائب بحكم الميت. وعن المدة الزمنية ذكر أن القاضي هو من يقدرها، مشيرًا الى أن هنالك مدة أربع سنوات حددها الفقهاء وهي اجتهاد منهم، موضحًا أنه يحق للقاضي أن يجتهد كون الأربع سنوات ليست نصًّا من السنة لذلك على القاضي إصدار حكم قضائي فيهم، اما بأن يحكم عليهم بحكم الميت او استمرارية حكم الغائب عليهم لمدة زمنية يقدرها. في حين ذكر المحامي احمد خلاوي أنه -قانونيًّا- لا يوجد هنالك حكم. ولكن يوجد في الشرع من قدر سنتين ليعتبر مفقودًا ومن ثم تحكم فيه المحكمة سواء قررت بأنه مفقود نهائي أو لا، مشيرًا إلى انه قد تكون هنالك ملابسات أو ان يكون في مكان ما، وكل مفقود يعامل على حدة مع تقديم المعلومات لإصدار الحكم القضائي فيهم. أما المستشار القانوني والشرعي عبدالعزيز الحوشاني فيقول: لا بد من إصدار حكم قضائي فيهم، مشيرًا إلى انه في السابق كانت المدة شرعًا أربع سنوات وهو رأي اجتهادي، ولما كانت المسألة اجتهادية فمن المفترض مع تطور وسائل الاتصال والإعلان والإعلام في العصر الحديث ان لا تصل المدة الزمنية إلى أربع سنوات، بل يجب ان تكون اقل ليحكم بموته ويتم من بعد ذلك جميع الأحكام المترتبة على الفقدان والتي منها استحقاق التعويض.